Origen de la Desigualdad entre los Hombres
أصل التفاوت بين الناس
Géneros
بيد أن تلك الجزئيات وحدها تكون مادة سفر جليل توزن فيه محاسن كل حكومة ومساوئها من حيث حقوق حال الطبيعة، وحيث يكشف جميع مختلف الوجوه التي يبدو التفاوت تحتها حتى هذا اليوم، ويمكن أن يبدو في القرون القادمة، وذلك وفق طبيعة هذه الحكومات والثورات التي يجرها الزمن إليها بحكم الضرورة، وهنالك يرى الجمهور المضطهد في الداخل نتيجة احتياطات اتخذها ضد من هدده في الخارج، وهنالك ترى زيادة الاضطهاد باطراد من غير أن يستطيع المضهدون معرفة حد له، ولا الوسيلة المشروعة التي تبقى لهم لوقفه، وهنالك يرى انطفاء حقوق المواطنين والحريات القومية مقدارا فمقدارا، وعد احتياج الضعفاء تذمرات تمرد، وهنالك يرى قصر السياسة شرف الدفاع عن القضية العامة على فريق مرتزق من الشعب، وهنالك يرى ظهور ضرورة الضرائب، فيترك الزارع اليائس حقله حتى في أثناء السلم ويهجر محراثه ليتقلد السيف، وهنالك يرى بروز مبادئ الشرف المشئومة الغريبة، وهنالك يرى تحول حماة الوطن إلى أعداء، عاجلا كان ذلك أو آجلا، حاملين بلا انقطاع خنجرا مرفوعا فوق مواطنيهم، فيأتي زمن يسمع فيه قولهم لطاغية بلدهم:
إذا أمرتني أن أضرب بالسيف صدر أخي أو رقبة والدي، وأن أضرب بالسيف أحشاء زوجتي، فعلت ذلك كله بيدي اليمنى مضطرا.
لوكانوس، إ، 376
وعن أقصى تفاوت الأحوال والثروات واختلاف الأهواء والمواهب، وعن الفنون غير المفيدة والفنون الضارة والعلوم التافهة نشأت طوائف من المبتسرات المخالفة للعقل والسعادة والفضيلة على السواء، ويرى إيقاد الزعماء لكل ما يمكن أن يضعف الناس المجتمعين بتفريق ما بينهم، ولكل ما يمكن أن يمنح المجتمع مسحة من الوفاق الظاهر ويبذر فيه جراثيم الشقاق الحقيقي، ولكل ما يمكن أن يوحي إلى مختلف المنظمات بتحد وحقد متبادلين عن معارضة بعض حقوقها ومصالحها ببعض، وعن تقوية السلطات الجامعة لها جميعا من حيث النتيجة.
ومن بين هذه الارتباكات والثورات رفع الاستبداد رأسه الفظيع بالتدريج، وافترس كل ما وجده صالحا صحيحا في جميع أقسام الدولة، فانتهى أخيرا إلى دوس القوانين والشعب، وإلى القيام على أنقاض الجمهورية، وكانت الأزمنة التي سبقت هذا التحول الأخير أزمنة اضطرابات وكوارث، غير أن الجميع قد ابتلع من قبل الغول في نهاية الأمر، وعاد لا يكون للشعوب زعماء ولا قوانين، بل طغاة فقط، وصار لا يبحث منذ هذه الدقيقة في الطبائع والفضيلة؛ وذلك لأن الاستبداد في كل مكان يسوده لا يحتمل أي سيد آخر، وإذا ما تكلم الاستبداد لم يبق صلاح ولا واجب ليستشار، ولم يبق للعبيد فضيلة غير الطاعة العمياء.
وهنا آخر حد للتفاوت وأقصى نقطة تغلق الدائرة وتمس النقطة التي ذهبنا منها، وهنا يعود الأفراد إلى مساواتهم الأولى؛ وذلك لأنهم ليسوا شيئا يذكر، ولأن الرعايا إذ عاد لا يكون لديهم من القوانين غير مشيئة السيد، وعاد لا يكون للسيد من القواعد غير أهوائه، فإن مبادئ الخير والعدل تزول مرة أخرى، وهنا يرد كل شيء إلى قانون الأقوى فقط، ومن ثم إلى حال جديدة للطبيعة مختلفة عن الحال التي بدأنا منها؛ وذلك لأن إحدى الحالين كانت حال الطبيعة في صفائها، ولأن الحال الأخرى هي نتيجة إفراط في الفساد، ثم إنه يوجد بين هاتين الحالين من قلة الاختلاف، ويكون عقد الحكومة من الانحلال بالاستبداد، ما يبقي المستبد معه سيدا ما ظل الأقوى، فإذا ما أمكن طرده لم يكن عنده ما يشكو منه ضد العنف، وتعد الفتنة الشعبية التي تنتهي بخنق أحد السلاطين أو خلعه عقلا قانونيا، كالأعمال التي كان يتصرف بها قبل يوم في حياة رعاياه وأموالهم، والقوة الوحيدة التي كانت تؤيده هي التي تسقطه وحدها، وهكذا فإن جميع الأمور تسير على حسب النظام الطبيعي، ومهما يكن من أمر هذه الثورات القصيرة والكثيرة الوقوع، فإنه لا يستطيع أحد أن يتوجع من جور الآخر، بل من سوء حظه أو عدم تبصره.
وهكذا إذا ما اكتشف القارئ النبيه، وتتبع الطرق المنسية والضائعة التي لا بد من أن تكون قد أتت بالإنسان من الحال الطبيعية إلى الحال المدنية، وإذا ما أعاد القارئ النبيه، بمواقع متوسطة بينتها، تلك التي حملني الوقت على حذفها أو التي لم يوح الخيال بها إلي قط، لم يمكنه إلا أن يحار من المسافة الواسعة التي تفصل بين هاتين الحالين، ففي تعاقب الأمور البطيء هذا يبصر حل ما لا يحصى من المسائل الخلقية والسياسية التي لم يستطع الفلاسفة أن يحلوها، وهو إذ يشعر بأن النوع البشري في جيل ليس النوع البشري في جيل آخر، يعلم السبب في كون ذيوجانس لم يجد إنسانا قط؛ وذلك لبحثه بين معاصريه عن إنسان زمن غير موجود، وهو يقول: إن كاتون مات مع روما والحرية لعدم ملاءمته عصرا عاش فيه، وإن أعظم الناس هذا لم يصلح إلا لإلقاء الحيرة في عالم كان يملكه - يقينا - لو ظهر قبل خمسمائة سنة.
والخلاصة: أنه يوضح كيف أن الروح والأهواء البشرية تفسدان على وجه غير محسوس، ومن ثم تغيران طبيعتهما، ولماذا تغير احتياجاتنا وملاذنا غرضها مع الزمن، ولماذا يزول الإنسان الأصلي بالتدريج فيعود المجتمع لا يبدي لعيني الحكيم غير جمع من الآدميين المفتعلين، وأهواء مصنوعة نتيجة لجميع هذه الصلات الجديدة، ومن غير أن يكون لها أساس حقيقي في الطبيعة، وما يعلمنا التأمل إياه فوق ذلك تؤيده الملاحظة تماما، وذلك أن الإنسان الوحشي والإنسان المتمدن يبلغان من الاختلاف قلبا وميولا ما يكون باعث السعادة العليا لأحدهم معه عامل قنوط الآخر، فالأول لا يستنشق غير الراحة والحرية، وهو لا يريد إلا أن يعيش ويبقى خاليا من العمل، حتى إن سكون الرواقي لا يقاس بعدم مبالاته العميقة تجاه أي موضوع آخر، وعلى العكس تجد الإنسان المتمدن نشيطا دائما فيعرق ويهتز ويضطرب بلا انقطاع بحثا عن أشاغيل أشد عسرا، وهو يعمل حتى الموت، وهو يسعى إلى الموت ليعيش أو يعدل عن الحياة نيلا للخلود، وهو يتودد إلى العظماء الذين يمقتهم وإلى الأغنياء الذين يحتقرهم، وهو لا يدخر وسعا لينال شرف خدمتهم، وهو يباهي منتفخا بنذالته وحمايتهم، وهو يفاخر بعبوديته، وهو يحدث مع الاستخفاف عن الذين لم يتفق لهم شرف مقاسمته إياها، ويا لمنظر أعمال الوزير الأوروبي الشاقة المبتغاة في نظر الكرايبي! وما أكثر المنايا القاسية التي لا يفضلها هذا الوحشي البليد على هول مثل تلك الحياة التي لم تلطف حتى بلذة فعل الخير! ولكنه يجب لرؤية الغاية من هذه الجهود الكثيرة أن يكون لكلمتي «السلطة والجمهورية» معنى في ذهنه، وأن يعلم وجود نوع من الناس الذين يرون قيمة لآراء بقية العالم، والذين يعرفون أن يكونوا سعداء راضين عن أنفسهم بشهادة الآخرين أكثر مما بشهادتهم، والواقع أن هذا هو السبب الحقيقي لجميع هذه الفروق، فالهمجي يعيش في نفسه، والإنسان المتمدن يعيش خارج نفسه دائما، فلا يعرف إلا أن يعيش في نفوس الآخرين، وهو لهذا السبب يقتبس شعور حياته الخاصة من حكمهم وحده، وليس من موضوعي أن أثبت كيف أنه ينشأ عن مثل هذا التصرف كثير من عدم المبالاة نحو الخير والشر، مع وجود كثير من الرسائل الرائعة في الأخلاق، وكيف أن كل شيء - إذ يرد إلى المظاهر - يصبح مفتعلا مخادعا، حتى في الشرف والصداقة والفضيلة، حتى في المعايب غالبا، فنجد في ذلك سر الافتخار في آخر الأمر.
والخلاصة: كيف أننا إذ نسأل الآخرين عن أنفسنا دائما، ومن غير أن نجرؤ على سؤال أنفسنا، وذلك بين كثير من الفلسفة والإنسانية والأدب والمبادئ العليا، ولا نجد لدينا غير مظهر خادع طائش لشرف بلا فضيلة، وعقل بلا حكمة، ولذة بلا سعادة، ويكفي أنني أثبت أن هذا ليس حال الإنسان الأصلية مطلقا، وأن روح المجتمع والتفاوت الذي ينشأ عن المجتمع هي التي تغير جميع الميول الطبيعية وتفسدها على هذا الوجه.
وقد حاولت أن أعرض أصل التفاوت وتقدمه، وقيام المجتمعات السياسية وسوء استعمالها، وذلك بالمقدار الذي يمكن هذه الأمور أن تستنبط من طبيعة الإنسان على نور العقل فقط مستقلة عن العقائد المقدسة التي تمنح السلطة ذات السيادة تأييد الحقوق الإلهية، ويعلم من هذا البيان أن التفاوت، إذ كان غير موجود في حال الطبيعة تقريبا، ينال قوته ونموه من تقدم ملكاتنا وترقي الروح البشرية، ثم يصبح ثابتا شرعيا بقيام ملك القوانين، ويعلم من هذا البيان أيضا أن التفاوت الأدبي الذي أجازته الحقوق الوضعية فقط مخالف للحقوق الطبيعية في كل مرة لا يتناسب هو والتفاوت البدني، ويعين هذا التمييز بما فيه الكفاية ما يجب أن يفكر فيه من هذه الناحية حول نوع التفاوت الذي يسود جميع الشعوب المتمدنة ما دام يباين قانون الطبيعة، مهما كان الوجه الذي يعرف به، أن يقود ولد شائبا، وأن يسوق غبي رجلا حكيما، وأن تطفح شرذمة من الأتباع بالزوائد على حين يحتاج الجمهور الجائع إلى الضروري.
Página desconocida