Origen de la Desigualdad entre los Hombres
أصل التفاوت بين الناس
Géneros
ولنبدأ بأن نميز بين الأمور الأدبية والبدنية في إحساس الحب، فالبدني هو تلك الرغبة التي تحمل جنسا على الاقتران بجنس آخر، والأدبي هو الذي يعين هذه الرغبة ويقرها على أمر واحد حصرا، أو هو الذي يمنح هذا الأمر المفضل، على الأقل، درجة بالغة من النشاط، والواقع أن من السهل أن يرى كون أدب الحب شعورا مصنوعا نشأ عن عادة المجتمع، وكونه روج من قبل النساء مع كثير من البراعة والعناية تأييدا لسلطانهن، وجعلا للجنس الملزم بالطاعة مسيطرا، وبما أن الشعور قائم على بعض مبادئ للجمال والمزية لا يكون الهمجي معه في وضع يستطيع أن ينالها فيه، وعلى مقايسات لا يكون معها في وضع يستطيع أن يصنعها فيه، فإنه يجب أن يكون في حكم العدم تقريبا بالنسبة إليه، وذلك بما أن نفسه لم تستطع أن تكون أفكارا مجردة في الوفاق والنسبة، فإن فؤاده لا يتأثر كذلك بمشاعر الإعجاب والحب التي تولد من تطبيق هذه الأفكار حتى من غير أن يشعر بها، وهو يسمع فقط ما ألقته الطبيعة فيه من مزاج، لا الذوق الذي لم يستطع اكتسابه، فتكون كل امرأة صالحة له.
والناس، إذ يقتصرون على الحب البدني، ويكونون من السعادة ما يجهلون معه هذه المفضلات التي تهيج الإحساس وتزيد المصاعب فيهم، يجب أن يكون شعورهم بحرارة المزاج أقل حدوثا ونشاطا ، ومن ثم يجب أن تكون المنازعات بينهم أكثر ندرة وأقل قسوة، وما كان الخيال الذي يفت فينا كثيرا ليخاطب القلوب الوحشية مطلقا، فكل ينتظر اندفاع الطبيعة بهدوء، وهو يفرغ لها من غير خيار ومع لذة أعظم من الصولة، فإذا قضي الوطر خمدت الرغبة.
ومما لا ريب فيه - إذن - كون الحب نفسه، كجميع الأهواء، لم ينل في غير المجتمع تلك الحرارة الصائلة التي تجعله شؤما على الناس غالبا، ومن موجبات السخرية كثيرا أيضا أن يعرض الهمج متذابحين بلا انقطاع إرواء لغلة بهيميتهم لمخالفة هذا الرأي للتجربة مباشرة؛ ولأن الكرايب، وهم أقل الشعوب الموجودة ابتعادا عن الحال الطبيعية حتى الآن، هم أكثر الشعوب هدوءا في حبهم وأقلهم غيرة، وإن كانوا يعيشون في إقليم محرق يظهر أنه يمنح هذه الأهواء نشاطا بالغا على الدوام.
وأما من حيث الاستقراءات التي يمكن الوصول إليها في كثير من أنواع الحيوان عن الوقائع التي تدمي أحواش دجاجنا في كل وقت، أو التي تدوي بأصواتها غاباتنا أيام الربيعة حينما تتنازع الإناث، فيجب أن يبدأ باستثناء جميع الأنواع التي جعلت الطبيعة بينها، في قوة الأجناس النسبية، علاقات تختلف عن التي بيننا كما هو واضح، وهكذا لا يصلح ما بين الديوك من عراك أن يكون استقراء للنوع البشري، ففي الأنواع التي تحسن مراعاة النسبة فيها لا يكون لهذه الوقائع أسباب غير ندرة الإناث بالقياس إلى الذكور، أو الفواصل المانعة التي تأبى الأنثى فيها اقتراب الذكر باستمرار، وهذا ما يرد إلى السبب الأول؛ وذلك لأن كل أنثى إذا كانت لا تقبل الذكر في غير شهرين من السنة، فإن هذا يعدل نقص عدد الإناث خمسة أسداس، والواقع أن كلا من الحالين لا يطبق على النوع البشري؛ حيث يزيد عدد الإناث على عدد الذكور عادة، وحيث لم يلاحظ قط، حتى بين الهمج، وجود أوقات معينة للأهواء وعدم المبالاة كما بين الحيوانات الأخرى، ثم إنه يأتي بين كثير من هذه الحيوانات، وحين دخول جميع النوع في دور من الهيجان، وقت هائل للولع الشامل وللضوضاء والفوضى والاعتراك، وقت لا عهد به للنوع البشري الذي لا يكون الحب عنده دوريا على الإطلاق؛ ولذلك لا ينبغي لنا أن نستدل من وقائع مثل هذه الحيوانات لحيازة نساء اتفاق ذات الأمر للإنسان في حال الطبيعة، حتى إنه إذا أمكن استنباط هذه النتيجة أبصر أن هذه المنازعات لا تقضي على الأنواع الأخرى مطلقا، فلا يكون لدينا سبب يحفزنا إلى التفكير في كونها أكثر شؤما على نوعنا، ومن الواضح جدا كونها تؤدي إلى تخريب في ذلك أيضا أقل ما تؤدي إليه في المجتمع، ولا سيما البلدان التي تعد الطبائع فيها شيئا مذكورا، فتسفر غيرة العشاق وانتقام الأزواج في كل يوم عن مبارزات ومقاتل وشر من ذلك، والتي لا ينفع فيها واجب الوفاء الأزلي لغير الزنا، والتي تنشر قوانين العفاف والشرف نفسها ضروب الدعارة بحكم الضرورة وتزيد الإجهاضات.
ولنستنتج كون الإنسان الوحشي، وهو يطوف في الغاب عاطلا من الصناعة والكلام والمسكن والحرب والرابطة، ومن أي احتياج إلى أمثاله، ومن أية رغبة في الإضرار بهم، ومن تمييز أي واحد منهم فرديا على ما يحتمل، كون هذا الإنسان الذي هو عرضة لقليل من الأهواء والذي يكفي نفسه بنفسه، لم يكن عنده غير المشاعر والمعارف الخاصة بهذه الحال، ولنستنتج أنه لم يكن ليشعر بغير احتياجاته الحقيقية، وأنه لم يكن لينظر إلى غير ما يعتقد وجود مصلحة له في رؤيته، وأن ذكاءه كان لا يتقدم أكثر من زهوه، فإذا ما قام باكتشاف مصادفة كان أقل من يمكنه نقله إلى الآخرين ما دام لم يعرف حتى أولاده، وكان كل فن يزول مع المخترع، وكان لا يوجد تربية ولا تقدم، وكانت الأجيال تتعاقب على غير جدوى، وكان كل جيل يسير من ذات النقطة دائما، وكانت القرون تمر ضمن بربرية الأجيال الأولى، وقد أصبح النوع مسنا والإنسان ولدا.
وإذا كنت قد أسهبت كثيرا في افتراض هذه الحال الابتدائية، فلوجود أضاليل قديمة كثيرة ومبتسرات متأصلة يجب اقتلاعها، ولاعتقادي وجوب بحثي حتى الجذور، وإثباتي في صورة صادقة لحال الطبيعة مقدار بعد التفاوت - حتى الطبيعي - من أن ينطوي في هذه الحال على حقائق ونفوذ يفترضهما كتابنا.
والحق أن من السهل أن يرى بين الفروق التي تميز الناس كثير يعد طبيعيا مع أنه من صنع العادة وصنع أنواع الحياة التي ينتحلها الناس في المجتمع، وهكذا فإن المزاج المتين أو القصف، وإن القوة أو الضعف اللذين يشقان منه، يصدران في الغالب عن الطراز الشديد أو المخنث الذي نشئ عليه أكثر مما عن نظام الأبدان الابتدائي، وقل مثل هذا عن قوى النفس، فليست التربية وحدها هي التي تضع الفرق بين النفوس المثقفة وغير المثقفة، وإنما تزيد الفرق الذي يوجد بين الأولى بنسبة الثقافة؛ وذلك لأن العملاق والقزم يسيران على ذات الطريق؛ ولأن كل خطوة يقوم بها كل منهما تنعم على العملاق بفائدة جديدة، والواقع أنه إذا ما قيس تنوع التربية العجيب، وأنواع الحياة التي تسود مختلف نظم الحال المدنية ببساطة الحياة الحيوانية والوحشية ونمطيتها حيث يغتذي الجميع من ذات الأطعمة، ويعيش على ذات الوجه ويصنع عين الأشياء تماما، أدرك مقدار ما يجب أن يكون عليه الاختلاف بين الإنسان والإنسان في حال الطبيعة أقل مما في حال المجتمع، ومقدار التفاوت الطبيعي الذي يجب أن يزيد في النوع البشري بتفاوت النظام.
بيد أن الطبيعة إذا ما بدأت في توزيع هباتها من المحاباة ما يعزى إليها، فأي فائدة ينال من ذلك أكثر الناس حظوة لديها إجحافا بالآخرين في حال من الأمور لا يكاد يقول بأي نوع من الصلات بينهم؟ وما نفع الجمال حيث لا يوجد حب مطلقا؟ وما نفع الذكاء لأناس لا يتكلمون مطلقا؟ وما نفع الحيلة لأناس ليس لديهم أعمال مطلقا؟ ومما أسمع تكراره دائما كون الأقوياء يضطهدون الضعفاء، ولكن ليشرح لي ما يعنى بكلمة الاضطهاد، ويسيطر بعضهم بعنف، ويئن الآخرون المعبدون لأهوائهم، وذاك ما ألاحظ بيننا تماما، ولكنني لا أرى كيف يمكن هذا أن يقال عن أناس من الهمج لم يسهل جعلهم يتصورون ما نعني بالسيطرة والعبودية.
أجل، يمكن إنسانا أن يستولي على فواكه اقتطفها إنسان آخر، وعلى قنيصة ذبحها، وعلى كهف اتخذه ملجأ، ولكن كيف يمكنه أن يكون قادرا على حمله على الطاعة؟ وأي قيود للتابعية يمكن أن تكون بين أناس لا يملكون شيئا؟ وإذا ما طردت من شجرة مثلا أمكنني أن أذهب إلى أخرى، وإذا ما أوذيت في مكان فمن ذا الذي يمنعني من الذهاب إلى مكان آخر؟ وإذا ما وجد إنسان أقوى مني، إنسان على شيء من الفساد والكسل والقسوة ما يحملني معه على تدارك قوته في أثناء بطالته، وجب أن يعزم على عدم غفوله عني طرفة عين، وعلى إمساكي مقيدا بعناية فائقة في أثناء نومه، وذلك خشية أن أفر أو أن أقتله، أي أن يلزم بعرض نفسه مختارا لمشقة أعظم من التي يريد اجتنابها ومن التي يريد توجيهها إلي، وإذا ما فتر حذره ثانية بعد جميع هذا وحول رأسه لصوت مفاجئ، أوغلت في الغابة عشرين خطوة، وتكسر قيودي، ولن يراني مدى حياته.
وإني، من غير إسهاب في هذه الجزئيات على غير جدوى، أرى وجوب بصر كل واحد في كون روابط العبودية لم تؤلف من غير اتباع بعض الناس لبعض اتباعا متقابلا، ومن الاحتياجات المتبادلة التي تصل ما بينها فيتعذر استبعاد إنسان من غير سابق وضع له في حال من لا يستغني عن آخر، أي وضع لا يوجد في حال الطبيعة حيث يكون كل واحد سيد نفسه، ولا يكون لقانون الأقوى أي عمل.
Página desconocida