باب: معرفة الله والإيمان به
...
أصول الإيمان
تأليف: شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب أصول الإيمان تأليف الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ورضي الله عنه وقد زاد فيه بعض أولاده زيادة حسنة ١، قال ﵀.
_________
١ عبارة (وقد زاد فيه بعض أولاده زيادة حسنة) هي في مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف دون غيرها.
1 / 231
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ١. باب معرفة الله والإيمان به
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ٢ رواه مسلم.
وعن أبي موسى ﵁ قال: "قام فينا رسول الله ﷺ بخمس كلمات. فقال: إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل. حجابه النور أو النار ٣. لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" رواه مسلم.
_________
١ البسملة والاستعانة في مخطوطة عبد الرحمن الحصين.
٢ صحيح مسلم: كتاب الزهد والرقائق (٢٩٨٥) .
(أو النار) موجودة في المخطوطتين.
1 / 232
عن أبي هريرة ﵁ مرفوعا: "يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه. والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض" ١. أخرجاه.
وعن أبي ذر ٢ ﵁ قال: "رأى رسول الله ﷺ شاتين تنتطحان فقال أتدري فيم تنتطحان يا أبا هريرة؟ قلت: لا. قال: لكن الله يدري، وسيحكم بينهما" ٣ رواه أحمد.
عن أبي هريرة ﵁: "أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ ٤، إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ ٥ ويضع إبهاميه على أذنيه، والتي تليها على عينيه" ٦ رواه أبو داود وابن حبان وابن أبي حاتم.
وعن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ﵎" ٧ رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة
_________
١ البخاري: التوحيد (٧٤١٩)، ومسلم: الزكاة (٩٩٣)، والترمذي: تفسير القرآن (٣٠٤٥)، وابن ماجه: المقدمة (١٩٧)، وأحمد (٢/٣١٣،٢/٥٠٠) .
٢ هذا هو الصواب الموافق لما في مسند أحمد.
٣ أحمد (٥/١٦٢) .
٤سورة النساء آية: ٥٨.
٥ سورة النساء آية: ٥٨.
٦ أبو داود: السنة (٤٧٢٨) .
٧ البخاري: تفسير القرآن (٤٦٩٧)، وأحمد (٢/٢٤،٢/٥٢،٢/٥٨،٢/٨٥،٢/١٢٢) .
1 / 233
فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته. فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها فقال من شدة الفرح، اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح" ١ أخرجاه.
وعن أبي موسى ﵁. أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" ٢ رواه مسلم.
ولهما عن عمر ﵁ قال: "قدم على رسول الله ﷺ بسبي هوازن فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيا في السبي، فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال النبي صلى الله عليه: وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله. فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها".
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي" ٣ رواه البخاري.
ولهما عنه أن رسول الله ﷺ قال: "جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءا واحدا. فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه"٤. ولمسلم معناه من حديث سلمان، وفيه: "كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فإذا كان يوم القيامة كملها بهذه الرحمة" ٥.
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته" ٦ رواه مسلم.
_________
١ البخاري: الدعوات (٦٣٠٩)، ومسلم: التوبة (٢٧٤٧)، وأحمد (٣/٢١٣) .
٢ صحيح مسلم: كتاب التوبة (٢٧٥٩)، ومسند أحمد (٤/٣٩٥) .
٣ مسند أحمد (٢/٣٥٨) .
٤ صحيح مسلم: كتاب التوبة (٢٧٥٢) .
٥ مسلم: التوبة (٢٧٥٣) .
٦ مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨٠٨)، وأحمد (٣/١٢٣،٣/٢٨٣) .
1 / 234
وله عنه مرفوعا: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها" ١.
وعن أبي ذر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ "أطت السماء، وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد لله تعالى. ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى" ٢ رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
(قوله): "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" ٣ في الصحيحين من حديث أنس. ولمسلم عن جندب مرفوعا: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله (: من ذا الذي يتألى علّي أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك" ٤.
وله عن أبي هريرة مرفوعا: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد ٥". وللبخاري عن ابن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" ٦.
وعن أبي هريرة ﵁ مرفوعا: "أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر، قد دلع لسانه من العطش. فنَزعت له موقها، فسقته
_________
١ مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٧٣٤)، والترمذي: الأطعمة (١٨١٦)، وأحمد (٣/١٠٠،٣/١١٧) .
٢ الترمذي: الزهد (٢٣١٢)، وابن ماجه: الزهد (٤١٩٠)، وأحمد (٥/١٧٣) .
٣ صحيح البخاري: كتاب الجمعة (١٠٤٤) وكتاب تفسير القرآن (٤٦٢١) وكتاب النكاح (٥٢٢١) وكتاب الرقاق (٦٤٨٥،٦٤٨٦)، وصحيح مسلم: كتاب الفضائل (٢٣٥٩)، وسنن الترمذي: كتاب الزهد (٢٣١٢،٢٣١٣)، وسنن النسائي: كتاب الكسوف (١٤٧٤،١٥٠٠)، وسنن ابن ماجه: كتاب الزهد (٤١٩٠،٤١٩١)، ومسند أحمد (٢/٣١٢،٢/٤٣٢،٢/٤٥٣،٢/٤٦٧،٢/٤٧٧،٢/٥٠٢،٣/١٨٠،٣/١٩٣،٣/٢١٠،٣/٢٥١،٣/٢٦٨،٥/١٧٣)، وموطأ مالك: كتاب النداء للصلاة (٤٤٤)، وسنن الدارمي: كتاب الرقاق (٢٧٣٥) .
٤ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٦٢١) .
٥ عبارة (ولو يعلم الكافر -إلى- أحد) في المخطوطتين وفي صحيح مسلم.
٦ البخاري: الرقاق (٦٤٨٨)، وأحمد (١/٣٨٧،١/٤١٣،١/٤٤٢) .
1 / 235
فغفر لها به" ١. وقال: "دخلت النار امرأة في هرة لها حبستها، لا هي أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" ٢. قال الزهري: لئلا يتكل أحد ولا ييأس. أخرجاه.
وعنه مرفوعا: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل" ٣ رواه أحمد والبخاري.
وعن أبي موسى الأشعري ﵁ عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم"٤ رواه البخاري.
وله عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله ﵎ إذا أحب عبدا نادى جبرائيل: إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبرائيل. ثم ينادي جبرائيل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء. ويوضع له القبول في الأرض ٥".
وعن جرير بن عبد الله البجلي ﵁: قال: "كنا جلوسا عند النبي ﷺ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر. قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته؛ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ ٦ "٧. رواه الجماعة. وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله ﵎
_________
١ البخاري: بدء الخلق (٣٣٢١)، ومسلم: السلام (٢٢٤٥)، وأحمد (٢/٥٠٧،٢/٥١٠) .
٢ البخاري: بدء الخلق (٣٣١٨)، ومسلم: التوبة (٢٦١٩)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٥٦)، وأحمد (٢/٢٦١،٢/٢٦٩،٢/٢٨٦،٢/٣١٧،٢/٤٢٤،٢/٤٥٧،٢/٤٦٧،٢/٤٧٩،٢/٥٠١،٢/٥٠٧) .
٣ البخاري: الجهاد والسير (٣٠١٠) وتفسير القرآن (٤٥٥٧)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٧٧)، وأحمد (٢/٣٠٢) .
٤ البخاري: التوحيد (٧٣٧٨)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨٠٤)، وأحمد (٤/٣٩٥،٤/٤٠١،٤/٤٠٥) .
٥ اعتمد في ترتيب هذا الحديث على مخطوطة الحصين.
٦سورة طه آية: ١٣٠.
٧ سنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (١٧٧) .
1 / 236
قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته" ١. رواه البخاري.
وعنه أن رسول الله ﷺ قال: "ينْزل ربنا ﵎ كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ "٢ متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" ٣ رواه البخاري
_________
١ البخاري: الرقاق (٦٥٠٢) .
٢ البخاري: الجمعة (١١٤٥)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٥٨)، والترمذي: الصلاة (٤٤٦) والدعوات (٣٤٩٨)، وأبو داود: الصلاة (١٣١٥) والسنة (٤٧٣٣)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٦٦)، وأحمد (٢/٢٥٨،٢/٢٦٤،٢/٢٦٧،٢/٢٨٢،٢/٤١٩،٢/٤٨٧،٢/٥٠٤،٢/٥٢١)، ومالك: النداء للصلاة (٤٩٦)، والدارمي: الصلاة (١٤٧٨،١٤٧٩) .
٣ البخاري: تفسير القرآن (٤٨٧٨)، ومسلم: الإيمان (١٨٠)، وأحمد (٤/٤١٦)، والدارمي: الرقاق (٢٨٢٢) .
1 / 237
باب قول الله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ١
عن ابن عباس ﵄ قال: حدثني رجال ٢ من أصحاب النبي ﷺ: "بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله ﷺ إذ رمي بنجم فاستنار. فقال: ما كنتم تقولون إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: كنا نقول: ولد الليلة عظيم، أو مات عظيم. فقال: إنها لم ترم لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا (إذا قضى أمرا سبحت حملة العرش حتى يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا. فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال. فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضا، حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو الحق، ولكنهم يقذفون ويزيدون " رواه مسلم والترمذي والنسائي.
وعن النواس بن سمعان ﵁ قال: قال رسول الله صلى الله
_________
١ سورة سبأ آية: ٢٣.
٢ في المخطوطتين (رجال) هكذا بلفظ الجمع.
1 / 238
عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة، أو قال رعدة شديدة خوفا من الله (. فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا، أو قال: ١ خروا لله سجدا. فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ﵇، فيكلمه الله من وحيه بما أراد. ثم يمر جبرائيل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبرائيل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله) " رواه ابن جرير وابن خزيمة والطبراني وابن أبي حاتم واللفظ له.
_________
١ زيادة (أو قال) من مخطوطة عبد الرحمن الحصين، وفي مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف (أو خروا) .
1 / 239
باب قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ١.
عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ويقول: أنا الملك. أين ملوك الأرض؟ "٢ رواه البخاري.
وعن ابن عمر ﵄ عن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السماوات بيمينه. ثم يقول: أنا الملك" ٣. وفي رواية عنه: "أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ٤٥. ورسول الله ﷺ يقول هكذا بيده ويحركها، ويقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم. فرجف برسول الله ﷺ حتى قلنا ليخرن به ٦". رواه أحمد.
_________
١ سورة الزمر آية: ٦٧.
٢ البخاري: الرقاق (٦٥١٩)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٧٨٧)، وابن ماجه: المقدمة (١٩٢)، وأحمد (٢/٣٧٤)، والدارمي: الرقاق (٢٧٩٩) .
٣ البخاري: التوحيد (٧٤١٣)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٧٨٧،٢٧٨٨)، وأحمد (٢/٣٧٤)، والدارمي: الرقاق (٢٧٩٩) .
٤ سورة الزمر آية: ٦٧.
٥ أحمد (٢/٧٢) .
٦ العبارة من (أنا الكريم - إلى آخر الحديث في المخطوطتين) .
1 / 240
وروى مسلم عن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر ﵄ كيف يحكي عن رسول الله ﷺ قال: "يأخذ الله سمواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الملك. ويقبض أصابعه ويبسطها. فيقول: أنا الملك. حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى أني لأقول أساقط هو برسول الله ﷺ " ١. وفي الصحيحين عن عمران بن حصين ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: قد بشرتنا فأعطنا. قال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن. قالوا: قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر. قال: كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء. قال: فأتاني آت فقال: يا عمران انحلت ناقتك من عقالها. قال: فخرجت في أثرها فلا أدري ما كان بعدي" ٢.
وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال "جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، وضاعت العيال، وهلكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق لنا الله؛ فإنا نستشفع بك على الله وبالله عليك. فقال رسول الله ﷺ: ويحك! أتدري ما تقول؟ وسبح رسول الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه. ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه. شأن الله أعظم من ذلك. ويحك أتدري ما الله؟! إن عرشه على سماواته هكذا، وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب" ٣. رواه أحمد٤ وأبو داود.
_________
١ البخاري: التوحيد (٧٤١٣)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٧٨٨)، وابن ماجه: المقدمة (١٩٨) والزهد (٤٢٧٥)، وأحمد (٢/٨٧) .
٢ البخاري: المغازي (٤٣٦٥،٤٣٨٦) والتوحيد (٧٤١٨)، والترمذي: المناقب (٣٩٥١)، وأحمد (٤/٤٣١) .
٣ أبو داود: السنة (٤٧٢٦) .
٤ زيادة (أحمد) في نسخة الحصين.
1 / 241
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" ١. وفي رواية عن ابن عباس ﵄: "وأما شتمه إياي فقوله: لي ولد، وسبحاني أن أتخذ صاحبة ولا ولدا"٢. رواه البخاري. ولهما عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار" ٣.
_________
١ البخاري: تفسير القرآن (٤٩٧٤)، والنسائي: الجنائز (٢٠٧٨)، وأحمد (٢/٣١٧،٢/٣٥٠،٢/٣٩٣) .
٢ البخاري: تفسير القرآن (٤٤٨٢) .
٣ البخاري: تفسير القرآن (٤٨٢٦)، ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (٢٢٤٦،٢٢٤٧)، وأبو داود: الأدب (٥٢٧٤)، وأحمد (٢/٢٣٨،٢/٢٥٩،٢/٢٧٢،٢/٢٧٥،٢/٣١٨،٢/٣٩٤،٢/٣٩٥،٢/٤٩١،٢/٤٩٦،٢/٤٩٩)، ومالك: الجامع (١٨٤٦) .
1 / 242
باب الإيمان بالقدر
(وقول الله تعالى): ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ ١. وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ ٢. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ ٣. وقوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ٤. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء"٥.
وعن علي بن أبي طالب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة. قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ ٦ ٧ " متفق عليه.
_________
١ سورة الأنبياء آية: ١٠١.
٢ سورة الأحزاب آية: ٣٨.
٣ سورة الصافات آية: ٩٦.
٤ سورة القمر آية: ٤٩.
٥ مسلم: القدر (٢٦٥٣)، والترمذي: القدر (٢١٥٦)، وأحمد (٢/١٦٩) .
٦ سورة الليل آية: ٥-٧.
٧ البخاري: تفسير القرآن (٤٩٤٩)، ومسلم: القدر (٢٦٤٧)، والترمذي: القدر (٢١٣٦) وتفسير القرآن (٣٣٤٤)، وأبو داود: السنة (٤٦٩٤)، وابن ماجه: المقدمة (٧٨)، وأحمد (١/٨٢،١/١٢٩) .
1 / 243
وعن مسلم بن يسار الجهني قال: إن عمر بن الخطاب ﵁ سئل عن هذه الآية: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ ١. فقال عمر ﵁: سمعت رسول الله ﷺ سئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية. فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخل به الجنة. وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخل به النار" ٢ رواه مالك والحاكم، وقال: على شرط مسلم.
ورواه أبو داود من وجه آخر. عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة عن عمرو قال إسحق بن راهويه: حدثنا بقية فقال: أخبرني الزبيدي محمد بن الوليد عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي قتادة عن أبيه عن هشام بن حكيم بن حزام: "أن رجلا قال: يا رسول الله أتبتدأ الأعمال أم قد قضى القضاء؟ فقال: إن الله لما أخرج ذرية آدم من ظهره أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه. فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار".
وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة، مثل ذلك ثم يكون مضغه مثل ذلك، ثم يبعث الله
_________
١ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٢ الترمذي: تفسير القرآن (٣٠٧٥)، وأبو داود: السنة (٤٧٠٣)، وأحمد (١/٤٤)، ومالك: الجامع (١٦٦١) .
1 / 244
إليه ملكا بأربع كلمات، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد. ثم ينفخ فيه الروح. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" ١ متفق عليه.
وعن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي ﷺ قال: "يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان، فيقول: يا رب أذكر أو أنثى، فيكتبان. ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه. ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص" ٢ رواه مسلم. وفي صحيح مسلم عن عائشة ﵂ قالت "دعي رسول الله ﷺ إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. فقال: أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم" ٣.
وعن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" ٤ رواه مسلم.
وعن قتادة ﵁ في قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ ٥. قال: "يقضي فيها ما يكون في السنة إلى مثلها" رواه عبد الرزاق وابن جرير. وقد روى معنى ذلك عن ابن عباس والحسن وأبي عبد الرحمن السلمي وسعيد بن جبير ومقاتل.
_________
١ البخاري: بدء الخلق (٣٢٠٨)، ومسلم: القدر (٢٦٤٣)، والترمذي: القدر (٢١٣٧)، وأبو داود: السنة (٤٧٠٨)، وابن ماجه: المقدمة (٧٦)، وأحمد (١/٣٨٢،١/٤١٤،١/٤٣٠) .
٢ مسلم: القدر (٢٦٤٤)، وأحمد (٤/٦) .
٣ مسلم: القدر (٢٦٦٢)، والنسائي: الجنائز (١٩٤٧)، وأبو داود: السنة (٤٧١٣)، وابن ماجه: المقدمة (٨٢)، وأحمد (٦/٤١،٦/٢٠٨) .
٤ مسلم: القدر (٢٦٥٥)، وأحمد (٢/١١٠)، ومالك: الجامع (١٦٦٣) .
٥ سورة القدر آية: ٤.
1 / 245
وعن ابن عباس ﵄ قال١: "إن مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور، عرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، ففي كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء؛ فذلك قوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ ٢" رواه عبد الرزاق وابن المنذر والطبراني والحاكم ٣.
قال ابن القيم ﵀ لما ذكر هذه الأحاديث وما في معناها قال: فهذا تقدير يومي، والذي قبله تقدير حولي، والذي قبله تقدير عمري عند تعلق النفس به، والذي قبله كذلك عند أول تخليقه وكونه مضغة، والذي قبله تقدير سابق على وجوده لكن بعد خلق السموات والأرض، والذي قبله تقدير سابق على خلق السماوات والأرض ٤ بخمسين ألف سنة. وكل واحد من هذه التقادير كالتفصيل من التقدير السابق. وفي ذلك دليل على كمال علم الرب وقدرته وحكمته وزيادة تعريفه الملائكة وعباده المؤمنين بنفسه وأسمائه. ثم قال: فاتفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد؛ ولهذا لما سمع بعض الصحابة ذلك قال: ما كنت بأشد اجتهادا مني الآن. وقال أبو عثمان النهدي لسلمان: لأنا بأول الأمر أشد فرحا مني بآخره، وذلك لأنه إذا كان قد سبق له من
_________
١ لفظ (إن مما خلق الله لوحا محفوظا) من مخطوطة الحصين.
٢ سورة الرحمن آية: ٢٩.
٣ هذا نص الحديث كما ورد في مخطوطة الحصين.
٤ هذا نص مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وهو المطابق لما في "شفاء العليل" في مسائل "القضاء والقدر والحكمة والتعليل" لابن القيم.
1 / 246
الله سابقة وهيأه ويسره للوصول إليها، كان فرحه بالسابقة التي سبقت له من الله أعظم من فرحه بالأسباب التي تأتي بها. وعن الوليد بن عبادة قال: "دخلت على أبي وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي. فقال: أجلسوني. فلما أجلسوه قال: بني، إنك لن تجد طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله ﵎ حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قلت: يا أبتاه، وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك. وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: أول ما خلق الله القلم قال: اكتب. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة١. يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار". رواه أحمد.
وعن أبي خزامة عن أبيه قال: "قلت: يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئ؟ قال: لا ٢ هي من قدر الله" رواه أحمد والترمذي وحسنه.
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان" ٣ رواه مسلم.
_________
١ الترمذي: تفسير القرآن (٣٣١٩)، وأحمد (٥/٣١٧) .
٢ كلمة (لا) وردت في مخطوطة الحصين.
٣ مسلم: القدر (٢٦٦٤)، وابن ماجه: المقدمة (٧٩) والزهد (٤١٦٨)، وأحمد (٢/٣٦٦،٢/٣٧٠) .
1 / 247
باب ذكر الملائكة ﵈ والإيمان بهم
وقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ ١ وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ ٢. وقوله تعالى ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ٣. وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَيُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ ٤. وقوله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ ٥. وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ٦.
وعن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: "خلقت الملائكة من النور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم"٧. رواه مسلم. وثبت في بعض أحاديث المعراج: "أنه ﷺ
_________
١ سورة البقرة آية: ١٧٧.
٢ سورة فصلت آية: ٣٠.
٣ سورة النساء آية: ١٧٢.
٤ سورة آية: ١٩-٢٠.
٥ سورة فاطر آية: ١.
٦ سورة غافر آية: ٧.
٧ مسلم: الزهد والرقائق (٢٩٩٦)، وأحمد (٦/١٥٣،٦/١٦٨) .
1 / 248
رفع له البيت المعمور الذي هو في السماء السابعة وقيل في السادسة بمنْزلة الكعبة في الأرض، وهو بحيال الكعبة، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم" ١.
وعن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: "ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو ملك قائم، فذلك قول الملائكة: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ ٢" رواه محمد بن نصر وابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ. وروى الطبراني عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: "ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع. فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا".
وعن جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" ٤ رواه أبو داود والبيهقي في الأسماء والصفات، والضياء في المختارة. فمن سادتهم جبرائيل ﵇ قد وصفه الله تعالى بالأمانة وحسن الخلق والقوة فقال تعالى: ﴿علَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾ ٥ ومن شدة قوته رفع مدائن قوم لوط ﵇، وكن سبعا، بمن فيهن من الأمم وكانوا قريبا من أربعمائة
_________
١ البخاري: بدء الخلق (٣٢٠٧)، ومسلم: الإيمان (١٦٢)، والنسائي: الصلاة (٤٤٨)، وأحمد (٣/١٤٨) .
٢ سورة الصافات آية: ١٦٥-١٦٦.
٣ لفظ (لا) من مخطوطة عبد الرحمن الحصين، وتاريخ ابن كثير والبداية والنهاية) .
٤ أبو داود: السنة (٤٧٢٧) .
٥ سورة آية: ٥-٦.
1 / 249
ألف وما معهم من الدواب والحيوانات١ وما لتلك المدائن من الأراضي والعمارات على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فهذا هو شديد القوى وقوله ذو مرة أي ذو خلق حسن وبهاء وسناء وقوة شديدة قال معناه ابن عباس ﵄ وقال غيره٢ ذو مرة أي ذو قوة وقال تعالى في صفته: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ . أي له قوة وبأس شديد وله مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند ذي العرش المجيد، ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ﴾ أي مطاع في الملإ الأعلى ﴿أَمِينٍ﴾ أي ذي أمانة عظيمة ولهذا كان السفير بين الله وبين رسله وقد كان يأتي إلى رسول الله ﷺ في صفات متعددة وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين وله ستمائة جناح، روى ذلك البخاري عن ابن مسعود ﵁.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله ﵁ قال: "رأى رسول الله ﷺ جبريل ﵇ في صورته، له ستمائة جناح كل جناح منها قد سد ٣ الأفق يسقط من جناحه من التهاويل ٤ والدر والياقوت ما الله به عليم". إسناده قوي.
_________
١ - هكذا (الحيونات) في تاريخ ابن كثير.
٢ - قوله: (وقال غيره) إلى (روى البخاري عن ابن مسعود) اعتمد في نقله على مهطوطة عبد الرحمن الحصين وعلى تاريخ ابن كثير.
٣ كلمة (قد) من مسند الإمام أحمد.
٤ لفظ (من التهاويل) من مسند الإمام أحمد.
1 / 250