الطبيعة عن العدم الأزلي وانهدام ركن عدمها الأصلي ، ومن المعلوم أن هذا المعنى لا ينطبق إلا على أول فرد وجد ، والفرد الثاني لا يعقل فرديته لها ؛ إذ النقض للعدم الأصلي للطبيعة قد حصل بالفرد الأول ولا يمكن ثانيا ، والفرد الثاني إخراج لهذا الفرد عن عدمه لا إخراج لأصل الطبيعة عن عدمها.
والحاصل أن صرف الوجود والوجود الناقض غير ممكن الانطباق على غير الفرد الأول، فلو تعلق الحكم والحب بالطبيعة بهذا النحو فلا جرم يخص الفرد الأول بهذا الحب والحكم دون ما بعده. نعم لو أتى بأفراد كثيرة دفعة واحدة صار الجميع متعلقا لحب واحد وحكم واحد.
أما مقام الإثبات فمتعلق الأمر عند عدم القرينة ظاهر في القسم الثاني ، ومن هنا قيل: يمتنع الامتثال عقيب الامتثال ، فإذا قيل : أعطني الماء ، فالمراد مطلق وجود إعطاء الماء لا وجود كل فرد منه ، فيلزم إعطاء جميع مياه العالم ، ومتعلق النهي عند عدم القرينة ظاهر في القسم الأول ، فالمنهي عنه جميع الأفراد لا أول الفرد ، فإذا قيل : لا تشرب الخمر فلا يكون النهي متعلقا بصرف إيجاد شرب الخمر بأن يكون لو شربه عصى وارتفع الحكم بارتفاع الموضوع فلم يكن شربه بعد ذلك بمحرم ، بل الأمر على خلاف ذلك. فالشرب في كل هذه معصية على حده ، وليس ذلك إلا لأجل سراية النهي المتعلق بالطبيعة إلى كل فرد ، فالحكم متعدد والموضوع متعدد ولكل إطاعة ومعصيته على حدة.
وأما الأحكام الغير التكليفية فمختلفة ، فمثل الطبيعة الفلانية سبب لكذا معناه السببية المستقلة لكل فرد ؛ ولهذا حكم شيخنا المرتضى قدسسره في موجبات النزح بتعدد المقدر بتعدد وقوع نوع واحد بناء على مذاقه من استفادة السببية التامة من أداة الشرط ، ومثل أحل الله البيع ظاهر في الاستغراق أيضا ؛ فإن العموم البدلي مناف لمقام الامتنان وإن كان من الممكن أن يكون ما أحل في حق كل مكلف بيعا من البيوع وكان اختيار تعيينه بيده ، لكن المناسب لمقام الامتنان إحلال جميع أفراد البيع في حقه ، إلى غير ذلك من الموارد ، فلا بد في كل مورد من ملاحظة مقتضى هذا المورد وأنه أي من القسمين وليس له ضابط.
Página 354