والدليل على صواب ما ذكرنا أنهم مجمعون على أن من وصف الله بصفته على ما هو به فهو موحد، وذلك الوصف منه توحيد، فكيف يكون توحيدا وموحدا من لم يفرزه من صفات خلقه ؟ وأن الله إنما خاطب الخلق بما يفهمون من لغاتهم كما قال { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } الآية (¬1) فبين لهم في قوله: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (¬2) أن يؤمنوا بغيب الإيمان، ويصدقوا بما لا تقدره عقولهم، ولا تمثله أفكارهم لأن العقول، لا تدرك إلا ما أدت إليه الحواس أو مثله، أو ما علموا بالدلالة والقياس على (¬3) ذلك. وفي دلالة الأنبياء عليهم الصلاة (¬4) والسلام بيان شاف وحجة بالغة على من ألحد في صفات الله تعالى حين استشهدوا على قومهم، واحتجوا عليهم بخلقه، ولم يمثلوه بغيره، ولم يصفوه بصفة خلقه. وقال إبراهيم عليه السلام إذ حاجه الكافر: { ربي الذي يحي ويميت } (¬5) قال الكافر: { أنا أحي وأميت } (¬6) ولو أراد إبراهيم (¬7) أن يحتج عليه في ذلك لاحتج ولكن أراد (¬8) حجة لا يجد عنها محيدا فقال: { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } (¬9) إذ أتى بآية لا يقدر البشر أن يأتي بها. ولو أن أحدا يفعل مثل أفعال الله تعالى لأشبهه، لأن في اشتباه الفعلين اشتباه الفاعلين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
¬__________
(¬1) 30) سورة إبراهيم: 04.
(¬2) 31) سورة الشورى: 11.
(¬3) 32) ج: عن.
(¬4) 33) + من ج.
(¬5) 34) سورة البقرة: 258.
(¬6) 35) سورة البقرة: 258.
(¬7) 36) ج: الخليل.
(¬8) 37) ج، م: زاد.
(¬9) 38) سورة البقرة: 258.
Página 57