Los Fundamentos de la Verdad Pura

Camrus Ibn Fath d. 283 AH

Los Fundamentos de la Verdad Pura

أصول الدينونة الصافية

Géneros

عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه

مقدمة الباب الأول

[ مسائل في العقيدة ]

مقدمة

الحمد لله الذي أنار (2) الحق ببرهانه وأوضح منهاجه بالحجج المنيرة التي قطع الله بها عذر المبطلين ، وشهد بها على أعدائه بما أراد عز وجل ، لئلا يكون للعاصي (3) في معصيته عذر ، ولا يهلك من هلك إلا بعد إعذار وإنذار ، بعث رسله تترى ، وأنزل كتبه تتلى { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } (4) { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم } (5) .

وأن الناس لم يختلفوا في شيء قط إلا وقد بينه الله في كتابه : { ولكن(6) يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون } (7) { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } (8) { فهو على نور من ربه } (9) { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء } (10) فلا يصل إليه الخير ، فهو على شبهة من أمره .

Página 39

شرع الله دينه وبينه وأخذ على جميع من علمه إياه (1) الميثاق { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } (2) .

وقد عبر الله تعالى قوما لم يفعلوا ذلك ، فقال عز وجل : { فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا } (3) .

وقوله : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } (4).

[ مسائل في العقيدة ]

[ المعاملة بين الموحدين ]

Página 40

فأول ما نحن ذاكروه : الإقرار لله بالوحدانية وأنه لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس له شريك ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به أنه الحق من الله ، فمن أقر بهذا فقد خرج من الشرك ، فهذه محنة (1) الفصل بين التوحيد وجميع ملل الشرك الخمسة ؛ (2) وإلى هذه (3) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو المشركين ، فمن استجاب له كان مسلما ؛ ثم ابتلاهم الله بعد ذلك بالفرائض ، ومحصهم بها ، فقال عز وجل { الم[1] أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون[2] ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين[3] } (4) بغير الابتلاء (5) إلى قوله { فليعلمن الله الذين صدقوا } (6) في عمل ما أقروا به ، وهم المؤمنون { وليعلمن الكاذبين } (7) أهل الخيانة والتضييع لعمل ما أقروا به ، فسماهم الله منافقين ، اسما لم يسم به أحدا من ملل الشرك ، فيهم كانت الحدود ، فهم مع المؤمنين ، جرت بينهم الحقوق من المناكحة والموارثة ، وأكل الذبائح ، والمدافنة [ 02 ] مع المسلمين ، وقبول الشهادة ، والقيام على جنائزهم ، والحج معهم ، والقصاص ، وتسويتهم في القود (8) والدية ، فهم بإقرارهم مع المسلمين في الأحكام . لا يبطل منهم بنفاقهم إلا ما أبطله القرآن ، من تحريم ولايتهم ، وتسميتهم بالإيمان وقد نفاه الله عنهم ، وتسميتهم بالكفر والنفاق ، (9)

Página 41

وتحريم التسمية لهم بالشرك ، ما لم ينكروا ما أقروا به (1) من التوحيد وإن كان الكفر يجمعهم .

فكان الناس على ثلاث (2) منازل ، كما قال الله تبارك وتعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما } : لنفسه { جهولا } : لأمر ربه ... ثم قال : { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } : فهذه منزلتان في الكفر ، { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } : أهل الوفاء بالقول والعمل { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما[73] } (3) .

[ المنزلة بين المنزلتين ]

فهذه ثلاث(4) منازل في الخلق معروفة بأسمائها ، مختلفة في أحكامها ومنازلها ، ومن عدل الله أن يجمعهم من حيث اجتمعوا ، ويفرقهم من حيث افترقوا .

المشرك : المنكر للقول والعمل .

والمنافق : المقر بالقول المضيع للعمل .

والمؤمن : الموفي (5) بما أقر به من القول والعمل .

Página 42

ولا يسمى أهل النفاق بالشرك ، وإن كان يجمعهم اسم الكفر ؛ كما لا يسمى أهل الشرك بالنفاق ، وإن كانت النار تجمعهم واسم الكفر ... فهم كما قال الله : { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا[143] } (1) . لا هم مع المؤمنين في الاسم والثواب ، ولا هم مع المشركين في الحكم والسيرة ، قال الله : { ما هم منكم ولا منهم } (2) .

وندعوهم إلى ترك ما به ضلوا وكفروا ، فمن أبى قبول ما دعونا إليه ورد دعوتنا ، وسفه مقالتنا ، وباين مناصبتنا (3) استحللنا قتاله ، ولا تجاوز سفك دمائهم إلى غنيمة أموالهم وسبي (4) ذراريهم ، محرم ذلك علينا ، لإقرارهم بتوحيد ربهم ، ولا يحرم منهم شيء مما كان أحل لنا منهم ، إلا الولاية وتسميتهم بالاسم الذي زال عنهم من اسم الإيمان ؛ وإنما كان السبي والغنيمة في أهل الشرك ، وقد حكم الله بذلك أحكاما ، وسار فيها نبي الله بسيرة معروفة ، اتبعها المؤمنون (5) حين ابتلوا فكنا أتباعا غبر مبتدعين .

[ معاملتنا لأهل الكتاب ]

Página 43

وننزل أهل الكتاب حيث أنزلهم الله : أن يقاتلوا حتى يقروا بالجزية عن ذل وصغار ، ونستحل منهم إذا أقروا بالجزية نكاح الحرائر منهم (1) وهم أهل الملل الثلاث : اليهود والصابوون والنصارى ، وقد قال الله في كتابه : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله : { عن يد وهم صاغرون } (2) يعني : عن ذل وهم صاغرون (3) .

وقال : { أحل لكم الطيبات } : [ 03 ] يعني الحلال كله ، { وطعام الذين أوتوا الكتاب } : يعني ذبائحهم ، ثم قال : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } يعني الحرائر منهم ، { إذآ آتيتموهن أجورهن } : أن تتزوجوهن بمهورهن ، فتبين (4) بقوله : { محصنين غير مسافحين } (5) ناكحين غير زانين معلنين { ولا متخذي أخدان } يعني أن يتخذ أحدكم خليلة يزني بها في السر ، فحرم الله ذلك سره وعلانيته كما قال في سورة الأنعام : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } (6) . وفي الأعراف : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } (7) .

Página 44

وإذا حاربوا وأبوا الجزية ، تركنا تحليل ذلك منهم ، لأنهم يسبون في ذلك الحال ، فلا يحل لمسلم أن يتزوج امرأة يحل سبيها لغيره ، ولا نستحل نكاح إماء أهل الكتاب لأن الله لم يذكر في التحليل إلا الحرائر .

ويوطأن(1) بملك اليمين ، لأن الله أحل للرجل ما ملكت أيمانهم ، ما لم يكونوا بمنزلة التي يحرمهن المسلمون ، من ذلك : الرواضع ، والمشركات ، وما دخلت بمن يحرمها ، أو دخل بها من يحرمها ، أو ذوات البعولة ، وما يشبه ذلك من الحواجز .

وليس على الرجل وقت (2) عدد في التسري . ولا يتزوج الحر الأمة إلا مضطرا ، ولا يتزوج إلا واحدة ؛ وإن وجد المضطر الصبر عن تزويج الأمة فهو خير له ، كما قال الله (3) : { وأن تصبروا خير لكم } (4) .

[ معاملتنا مع المجوس ]

وحكمنا في المجوس ما حكم الله فيهم ، وسار به نبي الله عليه السلام : أن يقاتلوا ، حتى يقروا بالجزية ، فإذا أقروا أخذت منهم { عن يد وهم صاغرون } (5) ، ثم تركوا على ما هم دائنون به لأن الله يقول : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } (6) ، وقد يقال : أكره على الدين ، ولا تكره فيه ، ولا تؤكل (7) ذبائحهم ولا تنكح حرائرهم سلما كان أو جربا .

[ معاملتنا مع المشركين ]

Página 45

وحكمنا في عبدة الأوثان ما حكم الله فيهم وسار نبي الله عليه السلام : القتل (1) حتى يدخلوا في الإسلام ، لا يقبل منهم إلا الدخول في الإسلام ، لا تقبل منهم جزية ، لأنهم ليس لهم دين (2) يقرون عليه . والمجوس يدعون أثره من العلم وأنهم زعموا أهل دين آدم ، ولذلك (3) أخذت منهم الجزية ... وأما عبدة الأوثان فلا يدعون (4) دينا ... وفيهم أنزل الله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } : يعني شركا ، { ويكون الدين لله } (5) . فهذه ملل الشرك فقد ذكرناها ن وبينا السيرة في كل ملة ... وفيهم كان السبي والغنائم .

[ معاملتنا للمنافقين ]

Página 46

وأما المنافقون فهم في ملة الإيمان ، ويجري عليهم ملتهم التي ادعوا وأقروا بها ، وليسوا (1) بملة كملة اليهود والنصارى ، ولكنه إدغال (2) في الدين ، إما شهود في محرم ، أو تحريف في التأويل ، وإنما أصابوا النفاق بمعاص دون [ 04 ] الشرك في هوى (3) مضل ، أو تأويل شبهة في غير حق ، وأهله مقرون بالتنزيل ، ولا يجحدونه ولا ينكرونه ، ويجزي عليهم حكم ما أقروا ، ولا تستحل منهم إلا الدماء ، والبراءة منهم ، لأن الله تبارك وتعالى لم يحل منهم غير ذلك فقال : { ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } (4) ويبين أنه إنما يحل منهم ذلك إذا باينوا (5) لقوله الله تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } (6) فأما إذا انتهوا (7) عن إظهار نفاقهم تركوا ، قال الله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } (8) .

Página 47

فلا نجاوز تحليل دمائهم إلى غنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ، ونسميهم بالكفر كفر والنفاق كما (1) قالت المرجئة (2) إن كل موحد مسلم مؤمن ، وإن لم يذر لله حرمة إلا انتهكها ، أو معصية إلا ارتكبها ، خلافا لما قال الله ، وتركا لما حكم جرأة على الله ، ونقصا لقول الله بمكابرة ... وقد شرع الله دينا نقيا صافيا خالصا ، ليس فيه ند (3) ولا قذر (4) ولا ظلم ولا منكر ، ولا يدان فيه بمعصية الرب ن ولا يتولى فيه عدو ، (5) وليس يساعدهم على مقالتهم إلا سفيه أو فاجر ، يرتعي في رياض الهوى ويتجرأ (6) في الشهوات (7) ، جرأة العصاة على معصية الله ، وإسخاط ربهم .

[ لمن تمنح الشفاعة ؟ ]

Página 48

وأباح الفساق الحرام ، وقالوا : دونكم التوحيد تنالوا به الدرجة العلى في الجنة بشفاعة (1) محمد عليه السلام ، لو لم يتركوا لله معصية جهلا كالسائمة (2) من البهائم لا يعرفون البراءة ولا الولاية ، يزعمون أنهم على دين ، وليسوا على شيء حتى يقيموه (3) ولا يعرفون من الدين إلا اسمه ، ويزعمون أنهم على الكتاب وليسوا يعرفون من الكتاب إلا صفته ، ولا يقودهم الكتاب فيما يحل ولا فيما يحرم ، ولا يحكمون بأحكامه ، ولا يسمون بأسمائه ، ويزعمون أنهم من أهل السنة ، وهم ممن أمات السنة (4) ، وينكرون البدعة وهم أهلها ، ويحتجون بالكثرة والظهور والغلبة ، وأن بيت الله الحرام في حكمهم ؛ وليس هذا من الحجة في شيء ، فكم من ولي الله في أيدي أعدائه أسيرا ذليلا مقهورا ، وقد ألقي إبراهيم صلوات الله عليه في النار ، وهو على حجة الله ، ولو كان مع الغلبة لكان الذين ألقوه في النار محقين ، ولكان الذين قاتلوا أنبياء الله في سالف الدهر محقين ، ولكان أبو جهل بن هشام ومن معه من مشركي قريش محقين حين أخرجوا نبي الله والمؤمنين من مكة ، ولكان (5) نبي الله وأصحابه مبطلين حين منعوا من بيت الله الحرام أن يقربوه ... قال الله عز وجل : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ

Página 49

محله } (1) . وتركوا حجة الله النيرة ، وأخذوا يخوضون في الأباطل . ألجأهم ثقل كتاب الله واستوحشوا [ 05 ] منه ، ونفروا عن الحق واستأنسوا بالروايات الكاذبة ، وقالوا : ( إن قوما يخرجون من النار ) ، بعد توكيد الله في غير موضع : أن من دخلها خالدا ، وما هم منها بخارجين ، (2) وإنهم ماكثون ، { ولهم عذاب مقيم } (3) . حرفوا مقالة الله وافتروا على الله ، ولا يضرنا خلافهم ولكنا نعلم والحمد لله أنهم كذبه .

Página 50

وأنهم يستحلون شتم الإباضية (1) ، وحتى أنهم يقولون : شتمهم قربة إلى الله ، سفها بغير علم ؛ فبهذا نقض أول كلامهم ، أن جميع أمة محمد عليه السلام ، مسلمون حرام البراءة منهم ، فدينهم متضادد ، ينقض بعضه بعضا ، وآخر كلامهم ينقض أوله ؛ وفساد مذهبهم أكثر من أن نأتي عليه بكتاب ولا خبر . وإن أولى الناس بالحق من أقامه ، ولم يستنكر مذاهبه ، ولم يختلف قوله ؛ إن أولى الناس بالله من اتبع أمره واستدل بحكمه ، واستدل بأمره ، وسمى الناس بما سماهم الله به في كتابه ، وحكم فيهم بما حكم الله ، ولم يتبع حكمه هوى ، ولا يميل به غضب ، ولا يأخذ المال إلا من حيث أذن الله له : ميراث من كتاب الله ، أو شراء ، أو بيع عن تراض ، أو هبة عن طيبة نفس أهل الهبات ، أو غنيمة من أموال المشركين غير المعاهدين ... في طريق الهدى ، مع أهل الهدى ، يدعوهم إلى الهدى ، مع أهل العدل ؛ لا يغل (2) من المغنم ، ولا يستخفي حتى تقسم الغنيمة على جميع أهل العسكر ، ويدفع الخمس إلى الإمام ، ويقسمه فيمن قسمه الله . وإنما يصح الخروج بإمام الهدى أو بإذنه ، ولا يحل أن يصفي (3) أحد لنفسه من الغنيمة شيئا ، إلا إن نفله به الإمام ، ما خلا طعاما يأكله لبطنه ، أو علفا

Página 51

يعلف به دابته ، وما سوى ذلك فهو مقسوم ، حتى السهم يخرجه الرجل من جسده .

[ الرد على شبهات الصفرية ]

وقالت الصفرية (1) : بتشريك أهل الكبائر من أهل التوحيد ، واستحلوا سبي ذراريهم ، وغنيمة أموالهم جرأة على الله ، دينا لم يشرعه الله ولم يسن (2) بسيرته نبي الله عليه السلام ؛ وتأولوا على ذلك تأويل شبهة خالفت الحق وخرجت من العدل ، فدخل عليهم من الضلال ما لا نهاية له .

وتناقض قولهم فأجازوا مناكحة أهل القبلة ، وأكل ذبائحهم ، وأجازوا شهادتهم ، والقيام بين أظهرهم ، وأستحلوا نكاح ذوات البعولة من غير موت أزواجهن ولا طلاق ، وانتحلوا (3) الهجرة ، وزعموا أنها كهجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا مما لا يحصى من فريتهم وخدعتهم ، فأخذوا (4) [06 ] ما أحبوا وتركوا ما كرهوا .

فإن كان أهل القبلة بمنزلة مشركي العرب ، فقد ضلت الصفرية بأكل ذبائحهم وموارثتهم ومناكحتهم .

Página 52

وإن كانوا بمنزلة المجوس ، فذلك في المناكحة والذبائح وقبول الشهادة وترك ضرب الجزية عليهم . وإن كانوا بمنزلة أهل الكتاب فليضربوا عليهم الجزية إذا أسلموا ، وليحرموا نساءهم على رجال قومهم ، وليحرموا منهم الموارثة ، وإن كانوا من أهل التوحيد فقد ضلوا باستحلال سبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ... يشبهون قومهم في بعض سيرتهم بالمسلمين ، وفي بعض يشبهونهم باليهود والنصارى ، وفي بعضها يشبهونهم بأهل اللات والعزى ، يستحلون غنيمة أموالهم ، ثم يقاسمونهم الميراث بكتاب الله !!

وعن النبي عليه السلام أنه قال : (( كل ما يورث حرام غنيمة وكل ما لا يغنم (1) حرام ميراثه )) (2) لأنه لا يجتمع في مال سيرتان : سبي وغنيمة بكتاب الله . واستحلوا نكاح نساء قومهم بكتاب الله ، ثم استحلوا سبيهم (3) مع ذلك ، ولا يجتمع حكمان في امرأة : نكاح بحلال ، وسبي بحلال .

وضلالتهم أكثر من أن أصف جميعها ، وقد ذكرت بعضها .

وقالت فرقة أخرى : لا ندري أي منزلة نضيف إليها المحدثين من أهل القبلة ، وذلك أسلم لنا وأحرز من الإثم ، وذلك أرضى لله ، أن (4) لا نقع في شيء من الخطأ لأن الناس اختلفوا فيهم فقال بعضهم مؤمنون مسلمون ، ثابته لهم الولاية والإيمان إيمانهم كإيمان المرسلين (5) والملائكة وجميع المؤمنين ، ليس أحد من أنبياء الله ورسله وملائكته أفضل منهم إيمانا ... إيمان من لا يترك لله معصية إلا ارتكبها !

Página 53

كإيمان جبريل وإسرافيل (1) والملائكة والرسل ؟ ! لا يضر زعموا مع التوحيد كبير ولا صغير ؟ ! (2) التائب من الذنوب والراجع عنها كالمصر عليها والمتمادي فيها ؟ !

وأشنع من هذا مما وصفته المرجئة ، وما دخلوا فيه من تشبيههم ربهم وتحديدهم له ، وما وصفوه به من الزوال والانتقال ، وما ردوا من تنفيذ وعيد الله ، وهم أشبه بقول اليهود { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } (3) .

وقالت طائفة أخرى وهم الصفرية : إن المحدثين من أهل القبلة كأهل حرب نبي الله ، فمن شك في شركهم فهو مشرك ، يحل منهم زعموا ما يحل من المشركين من الاسم والحكم والسبي .

وقالت طائفة : ضألون منافقون ليسوا بمشركين ؛ فهذه مقالة أهل العدل (4) .

[ نقض شبهات المعتزلة ]

وقالت المعتزلة (5) : ما أشركوا ولا كفروا ولا نافقوا ، ولكنهم ضلوا ضلالا لا يبرئهم من الإيمان ، وليسوا [07 ] بمؤمنين ، ولكنهم ضلوا وفسقوا ، حرام ولايتهم وتحل البراءة منهم ؛ ثم أدخلوا في ولايتهم الشكاك الذين قالوا : لا ندري أي الاسم (6) أصابوا ، ولا حيث نزلوا وتولوا المرجئة الذين أثبتوا الإيمان والولاية لمن نفته عنه المعتزلة بدين ، فهم أحمق ! كل فرقة إنما تعتقد أصلا واحدا وتبتي عليه ، وهم يعتقدون ثلاثة أديان ، يستحلون في دين ما يحرمون في غيره ، لأنهم يحرمون ولاية المحدثين .

Página 54

والمرجئة تستحلها بدين ، فجائز لهم أن يدخلوا في دين من يرونه مسلما ، ويتركون دينهم بعد إذ علموا .. جائز لهم بعد العلم الرجوع إلى دين الشكاك ، ويرجعون بعد المعرفة شكاكا حيارى .

وقالوا : أتصفوا لنا من أنفسكم ، واعدلوا الحكم بيننا وبينكم ، وقد وجدناكم تتولون (1) من نزل من ضعفائكم بتلك المنزلة . ولو أن (2) علماءكم يبرءون من رجل بما استبان لهم لم يلزم الغيب (3) من لم يعرف من براءته ما عرف العلماء .

ولو أن رجلا من الضعفاء (4) تولي رجلا بولاية العلماء ثم أحدث أمرا خلعته به العلماء ، ولا يفرز ذلك الضعيف علم العلماء ، فثبت على ولايته فتوليتموه !

وكذلك عذرنا نحن المرجئة والشكاك لضعفهم ، وإنما تولوه (5) على ما كان من إيمانه ، وقالوا إنما توليناه على الإسلام ، فكذلك عذرناهما بجهلهما كما عذرتهم ضعيفكم بجهله .

قلنا إنكم قستم أمرين غير مشتبهين ولا متناظرين ، وذلك إنما تولينا ضعفاءنا لردهم إلى علمائهم فيما لم تقم به عليهم الحجة ؛ لأن ضعيفنا يقول : أقف حتى ألقي العالم أو العلماء فأسألهم ، فما حملوني عليه احتملت ، وقولي قولهم ، وديني في الذي جهلت دينهم ؛ فمتى ما قال هذه المقالة ونزل هذه المنزلة كان قد وافق علم العلماء .

وأما الذين يقولون : لا علم أفضل من علمنا ، ولا لله دينا يعبد به أفضل مما كنا عليه ، فهذا قد نصب الحرام دينا ؛ كما (6) نصبتم ما أنتم عليه دينا .

[ الدليل على كفر النعمة ]

Página 55

وقالوا لنا : ما أين علمتم كفر ضلال الإيمان ؟ قلنا : من قبل كتاب الله . قالوا : فأوجدونا ذلك . قلنا : من قبل أن الله أضاف الكافرين إلى النار . قالوا : فأوجدونا ذلك .. أين ذكر الله الزاني كافرا ؟ قلنا : من حيث وقع عليه الوعيد / فحيثما وجدنا الوعيد علمنا أن أصحابه كفار . كما أنا حيثما وجدنا الله وصف قوما بالكفر علمنا أنهم مضافون إلى النار ؛ لقول الله : { النار وعدها الله الذين كفروا } (1) . وقال { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } (2) ؛ وقال : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا... } (3) وقال : { خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } (4) . وقال [08] سليمان عليه السلام : { ليبلوني أأشكر أم أكفر } (5) . مع اجتماع الناس في اللغة المطلقة الجائزة : أن لا تسأل أبدا عالما أو جاهلا إلا أخبرك عمن ليس بمؤمن أنه كافر . ولو أنك سألتهم : من أين يزعمون أن الزاني عدو الله ؟ لأنهم ينفذون فيه الوعيد ، ويسمونه فاسقا ضالا عدوا لله ؛ قالوا لك : من قبل أنه خرج من ولاية الله ، فلما خرج من ولاية الله استحق عداوة الله ، وليس بين عداوة الله وولايته منزلة ، مع أنكم تقرون لنا أنه عدو الله ؛ قلنا لهم : فعرفنا أنه عدو الله من قبل قوله : { فإن الله عدو للكافرين } (6) وكل عدو لله كافرا ، وإن كنتم من قبلنا عرفتم عداوته فاعرفوا كفره ، فإنا إنما قلنا إنه عدو لله لأنه كافر ، والله عدو للكافرين .

Página 56

وأما قولهم كيف يكون كافرا وليس فيه جميع الكفر ، وكان من قولهم : إن الناس لا يكونون (1) كافرين حتى يستكملوا جميع الكفر ، قلنا لهم لا يكون إذن ضالا حتى يستكمل جميع الضلال ، وكيف يكون الناس بشيء من الضلال ضالين ، وبشيء من الفسق فاسقين ، ولا يكونون بشيء من الكفر كافرين ؟

وجاء عن النبي عليه السلام أنه قال في خطبة يوم حجة الإسلام ويقال حجة الوداع : (( لا ألفينكم رجعتم بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) (2) وقوله حين سأله رجل عن قول الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (3) فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال رسول الله عليه السلام : (( لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما قدرتم عليها ، إذن لكفرتم )) (4) وقوله عليه السلام : (( ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة )) (5) وقد اجتمعت الأمة (6) على هذه الأحاديث عن رسول الله عليه السلام ، (7) يؤثره عنه عامة العلماء من الموافقين والمخالفين .

Página 57

وكل عدو لله كافر ، وكل ضال كافر ، وكل فاسق كافر ، والله إذا اشتد في شتم قوم نسبهم من بعد الكفر إلى الضلال ، قال : { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضآلون } (1) . وقال : { وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين } (2) .

والكفر اسم عام لجميع الضلالة وليس بخاص ، والشرك اسم خاص لبعض الضلال وليس بعام ، وكذلك اسم النفاق اسم خاص وليس بعام ، والضلال والفسق أسماء عامة . والخروج من الإيمان الدخول في الكفر ، والدخول في الإيمان الخروج من الكفر ، وليس بينهما منزلة ، لأن الكفر ضد الإيمان ، والإيمان تفسير .

وإنما كان الإيمان إيمانا لوجوب الثواب ، وإنما كان الكفر كفرا لوجوب العقاب ، ليس كما يقول من يقول : إنما كان الكفر كفرا لأنه معصية ن وكان الإيمان إيمانا لأنه طاعة ، أو قول [ 9] من يقول : إنما كان الإيمان إيمانا للأمر به ، والكفر كفرا للنهي عنه ، وليس كذلك . يقول أهل النظر : لأنه لو كان الكفر كفرا لأنه معصية للزم أن يكون كل معصية كفرا . ولو كان إنما كان الإيمان إيمانا للطاعة أو للأمر للزم أن يكون كل ما ليس فيه أمر لا يكون إيمانا ، فتخرج كل نافلة يتقرب بها إلى الله من حد الإيمان . ولو أن الكفر إنما كان كفرا للنهي عنه للزم الكفر بكل أمر كان فيه نهي ، وهذا لا يقوله عالم .

[ لا منزلة بين المنزلتين ]

Página 58