اختص ذلك بالكتاب والسنة فكان بين آيتين أو قرائتين في آية أو بين سنتين أو سنة وآية لان السنخ في ذلك كله سايغ على ما نبين إن شاء الله تعالى وأما بين قياسين أو قولي الصحابة رضي الله عنهم فلا لأن القياس لا يصلح ناسخا وقول الصحابي بناء على رأية فحل محل القياس ايضا بيان ذلك أن القياسين إذا تعارضا لم يسقطا بالتعارض ليجب العمل به بالحال بل يعمل المجتهد بأيهما شاء بشهادة قلبه لأن تعارض النصين كان لجهلنا بالناسخ والجهل لا يصلح دليلا شرعيا لحكم شرعي وهو الاختيار واما تعارض القياسين فلم يقع من قبل الجهل من كل وجه لان ذلك وضع الشرع في حق العمل فأما في الحقيقة فلا من قبل أن الحق في المجتهدات واحد يصيبه المجتهد مرة ويخطئ أخرى إلا انه لما كان مأجورا على عمله وجب التخيير لاعتبار شبهة الحقيقة في حق نفس العمل بشهادة القلب لأنه دليل عند الضرورة لاختصاص القلب بنور الفراسة واما فيما يحتمل النسخ فجهل محض بلا شبهة ولان القول بتعارض القياسين يوجب العمل بلا دليل هو الحل وتعارض الحجتين من الكتاب والسنة يوجب العمل بالقياس الذي هو حجة ومثال ذلك أن المسافر إذا كان معه اناءان في أحدهما ماء نجس و في الاخر طاهر وهو لا يدري عمل بالتيمم لانه طهور مطلق عند العجز وقد وقع العجز بالتعارض فلم يقع الضرورة فلم يجز العمل بشهادة القلب ولو كان معه ثوبان نجس وطاهر لا ثوب معه غيرهما عمل بالتحري لضرورة الوقوع في العمل بلا دليل وهو الحال وكذلك من اشتبهت عليه القبلة ولا دليل معه اصلا عمل بشهادة قلبه من غير مجرد الاختيار لما قلنا أن الصواب واحد منها فلم يسقط الابتلاء بل وجب العمل بشهادة قلبه وإذا عمل بذك لم يجز نقضه إلا بدليل فوقه يوجب نقض الأول حتى لم يجز نقض حكم امضى بالاجتهاد بمثله لان الأول ترجح بالعمل به ولم ينقض التحري باليقين في القبلة لان اليقين حادث ليس بمناقض بمنزلة نص نزل بخلاف الاجتهاد أو إجماع انعقد بعد امضاء حكم الاجتهاد على خلافه واما العمل به في المستقبل على خلاف الأول فنوعان أن كان الحكم المطلوب به يحتمل الانتقال من جهة إلى جهة حتى انتقل من بيت المقدس إلى الكعبة وانتقل من عين الكعبة إلى جهتها فصلح التحري دليلا على خلاف الأول وكذلك في سائر المجتهدات في المشروعات القابلة للانتقال والتعاقب واما الذي لا يحتمله فرجل صلى في ثوب على تحري طهارته حقيقة أو تقديرا ثم تحول رأيه فصلى في ثوب أخر على تحري أن هذا طاهر وان الأول نجس لم يجز ما صلى في الثاني إلا أن يتيقن بطهارته لأن التحري الأول أوجب الحكم بطهارة الأول ونجاسة الثاني وهذا وصف لا يقبل الانتقال من عين إلى عين فبطل العمل به ومثال القسم الثاني من القسم الرابع سؤر الحمار والبغل لأن الدلايل لما تعارضت ولم يصح القياس شاهدا لأنه لا يصلح لنصب الحكم ابتداء وجب تقرير الأصول فقيل أن الماء عرف طاهر فلا يصير نجسا بالتعارض فقلنا أن سؤر الحمار طاهر وهي منصوص عليه في غير موضع وكذلك عرقه ولبن الآتان ولم يزال الحدث به عند التعارض ووجب ضم التميم إليه فسمى مشكلا لما قلنا لا أنه يعنى به الجهل وكذلك الجواب في الخنثى المشكل وكذلك جوابهم وفي المفقود ومثال ما قلنا في الفرق بين ما يحتمل المعارضة بين ما لا يحتملها أيضا الطلاق والعتاق في محل متهم يوجب الاختيار لأن وراء الابهام محلا يحتمل التصرف فصلح الملك فيه دليلا لولاية الاختيار فإذا طلق عينا ثم نسى لم يجز الخيار بالجهل وإذا عرفت ركن المعارضة وشرطها وجب أن تبني عليه كيفية المخلص عن المعارضة على سبيل العدم من الأصل وذلك خمسة أوجه من قبل الحجة ومن قبل الحكم ومن قبل الحال ومن قبل الزمان صريحا ومن قبل الزمان دلالة إما من قبل نفس الحجة فإن لا يعتدل الدليلان لأن فلا يقوم المعارضة مثل الحكم يعارضه المجمل والمتشابه من الكتاب والمشهود من السنة يعارضه خبر الواحد لأن ركنها اعتدال الدليلين وأمثلة هذا كثيرة لا تحصى وأما الحكم فإن الثابت بهما إذا اختلف عند التحقيق سقط التعارض مثل قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والمراد به الغموس وقال لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان والغموس داخل في هذا اللغو لأن المؤاخذة المثبتة مطلقة وهي في دار الجزاء والمؤاخذة المنفية مقيدة بدار الابتلاء فصح الجمع وبطل التدافع فلا يصح أن يحمل البعض على البعض ومثاله كثيرا وأما الحال فمثل قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن بالتخفيف ومعناه انقطاع الدم وبالتشديد قرىء ومعناه الاغتسال وهما معنيان متضادان ظاهرا لا ترى أن الحيض لا يجوز أن يمتد إلى الاغتسال مع امتداده إلى انقطاع الدم لأن امتداد الشيء إلى غاية واقتصاره دونها معاضدان لكن التعارض يرتفع باختلاف الحالين بأن يحمل الانقطاع على العشرة فهو الانقطاع التام الذي لا تردد فيه ولا يستقيم التراخي إلى الاغتسال لما فيه من بطلان التقدير ويحمل الاغتسال على ما دون مدة الانقطاع والتناهي لأن ذلك هو المفتقر إلى الاغتسال فينعدم به التعارض وكذلك قوله
﴿وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾
Página 202