فمن هنا يتضح أن الممارسة هي سبيل الكمال في الحياتين الأدبية والعقلية على حد سواء. وما دامت الفضيلة لا تكتسب إلا بالاعتياد فلا غرو إن سميت عادة. وقد جرى العرف بإطلاق لفظ «فضيلة» بصيغة المفرد على كل فعل يتعدى حد الواجب؛ أي على ما كان فائقا ساميا يستوجب الثناء الخاص. وبإطلاق لفظ «فضائل» بصيغة الجمع على الأفعال التي تنطبق على القانون الأدبي وعلى ذلك فهي تشمل الأفعال التي نسميها نحن واجبات.
فيستنتج مما تقدم أن الفضيلة لا توجد إلا إذا وجد فعل؛ لأنها منسوبة إليه ومؤسسة عليه.
كان سقراط يرى الفضيلة اسما آخر للعلم، وأن الرذيلة والشر أمران غير اختياريين بما أنهما إنما ينشآن عن قلة العلم، وهذا القول صحيح من وجه؛ إذ يستحيل على المرء أن يعمل صالحا - أي أن يكون فاضلا - حتى يدرك ويتبين الفرق بين الصالح والطالح والحق والباطل.
ولكن العلم وحده غير كاف؛ إذ ليس المقصود مجرد معرفة الإنسان وتبينه حد الحق من الباطل والصالح من الطالح فيكتفي بذلك، بل تملك الإنسان قوة الإرادة الضرورية لكي يفعله.
عرف أرسطو «الفضيلة» فقال هي عادة اختيار الحد الوسط بين طرفين؛ إذ إن طيب الفعل لا يوجد في الغالب إلا بين شيئين أحدهما زائد والثاني ناقص مثال ذلك الشجاعة؛ فهي وسط بين الجبن والتهور، والإحسان وسط بين الشح والإسراف، وهكذا، ولكن هذه القاعدة لا تستقيم دائما:
أولا:
لأن الفضيلة - في نظرنا - هي أرقى ما يمكن أن يصل إليه جهد جاهد؛ فهي طرف في ذاتها لا وسط، فالقول بأن الفضيلة توفيق بين رذيلتين يكاد يكون من الأحاجي.
ثانيا:
لا يكون الوسط من الطرفين على مسافة واحدة في كل حال، مثال ذلك الشجاعة؛ فإنها عن الجبن أبعد منها عن التهور كما أنه ليس من السهل معرفة ماهية النقص أو الزيادة؛ أي ماهية الطرفين.
ثالثا:
Página desconocida