La leyenda y la herencia

Sayyid Qimni d. 1443 AH
166

La leyenda y la herencia

الأسطورة والتراث

Géneros

وحتى هذه الأبنية الشاهقة التي أثقلت كاهل الشعب بالديون - فيما يرى «سوسة» - هي بدورها مسألة فيها نظر وملحوظات.

تغنيا بهذه العظمة، يفاخر سفر الملوك الأول بجيش الملك «سليمان» الهائل، فيقول: «وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته، واثنا عشر ألف فارس ... فكان له ألف وأربعمائة مركبة» (ص4، 10)، هذا ناهيك عن منشآته المعمارية، التي تمثلت في بناءين: الأول بيت الرب أو الهيكل (واسمه مأخوذ عن الكلمة الكنعانية هيكال)، والثاني هو القصر الذي خصصه «سليمان» عليه السلام كسكن خاص له، ومقر للحكم، فأما الهيكل فهو «البيت الذي بناه سليمان للرب، وطوله ستون ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا، وسمكه ثلاثون ذراعا ... وجميع الببت غشاه بذهب ... وعمل في المحراب كروبين ... وغشى الكروبين بذهب (الكروبين مثني كروب، وهو نصب في هيئة نسر مجنح)» (ص6). أما القصر فكان واضحا أنه أكثر ضخامة وفخامة من بيت الرب، فقد كان «طوله مائة ذراع، وعرضه خمسون ذراعا، وسمكه ثلاثون ذراعا ... كل هذا من أحجار كريمة ... وكان مؤسسا على حجارة كريمة ... وعمل البحر مسبوكا عشرة أذرع (يقصد حوض أسماك زينة)» (ص7).

أما عرش الملك فقد «غشاه بذهب من إبريز، وللكرسي ست درجات ... أسدان واقفان بجانب اليدين ... واثنا عشر أسدا واقفة هنا وهناك على الدرجات الست (يقصد تماثيل) ... وجميع آنية شرب الملك من ذهب ... وجعل الملك الفضة في أورشليم مثل الحجارة» (ص10). وحتى تستكمل العظمة، كان محتما أن يتمم الملك الأبهة بزوجة تليق به، ونسب يضاهيه جاها واقتدارا، ولما لم يكن وقتها من هو أعظم من فراعنة مصر أبهة وجاها واقتدارا، ورغم العداء المرير الذي تقطر مرارته في كل إصحاح من أسفار الكتاب المقدس، ضد مصر والمصريين، فقد «صاهر سليمان فرعون مصر ، وأخذ بنت فرعون» (ص3)، وقد قدم الفرعون لابنته هدية زفاف عظيمة، «وصعد فرعون ملك مصر، وأخذ جازر وأحرقها بالنار (جازر مدينة ساحلية فلسطينية)، وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة، وأعطاها مهرا لابنته امرأة سليمان» (ص9).

وحتى يستكمل الملك بقية مظاهر الأبهة، فقد «أحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون، مؤابيات وعمونيات وآدوميات وصيدونيات وحيثيات ... وكانت له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من السراري» (ص11)، وكي يطيق الملك وصال هذا الحشد المهول من الأجساد، فقد منحه الله قدرة أكثر هولا، تمثلت في قول الكتاب: «وكان طعام سليمان لليوم الواحد: ثلاثين كر سميد، وستين كر دقيق، وعشرة ثيران مسمنة وعشرين ثورا من المراعي، ومائة خروف، ما عدا الأيائل والظباء واليحامير والإوز المسمن» (ص4).

والأمر إضافة إلى طرافته، فإن فيه نظرا وملحوظات: الملحوظة الأولى وتتعلق بهذا الجيش العرمرم من المركبات والفرسان، وهو ما يناله شك كبير، في ضوء نص آخر بالسفر نفسه، يشير إلى استعصاء المدينة الساحلية (جازر) على «سليمان»، حتى إن صهره الفرعون أرسل بضع كتائب احتلتها له، ثم أهدتها إياه كعربون صداق لعرس ابنة الفرعون، لكن حتى هذا الزواج بدوره يشوبه شك أكبر، خاصة مع ما نعلمه من وثائق التاريخ عن سنن الفراعين، الذين لم يدرجوا على زواج بناتهم لغير مصريين، حتى لو كانوا ملوكا، اتباعا لسنة سنت حق الملك للإناث من الأسر الحاكمة، وأن العرش كان لا يئول لوليه إلا بزواجه من الأميرة صاحبة الميراث؛ ومن ثم سوغوا - ولا غضاضة - زواج الأخت الشقيقة ليتمكن الأمير من شرعية حكمه، وإذا عز وجود ذكر من داخل الأسرة المالكة، فكان لا بد للمرشح للعرش من المرور بطقوس دينية وتطهيرية وارتقائية يطول شرحها، تنتهي أيضا بشرط زواجه من الأميرة الوارثة، فما بالنا والأمر يتعلق بملك من العبريين؟ أولئك الذين كانوا في نظر المصريين الاعتياديين وليس الملوك، وحسب نص الكتاب المقدس نفسه، رجسا ونجسا يجب على المصري تحاشيه واجتنابه، فلا يساكنه (كما يقرر إصحاح 46 من سفر التكوين)، ولا يؤاكله (كما يقرر إصحاح 43 من سفر التكوين).

وحتى لو سلمنا بصدق الرواية التوراتية حول هذا الزواج، فإن «ويلز» يعقب بالقول: «كان من الجائز أن يتنازل الفرعون، فيقبل في حريمه أميرة بابلية، ولكنه كان يرفض رفضا باتا أن يسمح لأميرة مصرية لها ما لها من قداسة، أن تصبح زوجة لعاهل بابلي، فما بالك بملك صغير كسليمان، استطاع أن يتزوج أميرة مصرية. إن هذا يدل دلالة واضحة على انحطاط مهابة مصر وتدهورها في هذه الأثناء.»

7

ثم يشير إلى أنه لولا هذا التدهور المؤقت لما قامت مملكة «سليمان»، فتدهور مصر حينذاك هو الذي أدى إلى تخفيف هيمنتها على فلسطين وبلاد الشام؛ مما ساعد على قيام المملكة السليمانية، ومنح «داود» والد «سليمان» شيئا من حرية الحركة والنشاط والتبسط في ممارسة السيادة.

والملحوظة الثانية تتعلق بمنشآت «سليمان»، التي تأكد أنه قد قام بها فنيون متخصصون، أرسلهم «حيرام» ملك صور وصيدا لسليمان، إضافة إلى المهندسين المصريين والرافديين، وذلك فيما وصل إليه البحاثة «موسكاتي».

8

Página desconocida