El Nuevo Órganon: Instrucciones sinceras para la interpretación de la naturaleza
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Géneros
ومن ثم ستكون «الشواهد الفاصلة» في هذا الموضوع هي تلك (إن وجدت) التي تعرض انعكاسا من جسم خفيف، مثل اللهب إذا ما تحلى بقدر كاف من الكثافة، من المؤكد أن أحد أسباب الشفق - بين غيره من الأسباب - هو انعكاس
62
أشعة الشمس من الجزء الأعلى من الجو، وأحيانا ما نرى أيضا أشعة الشمس منعكسة في الأماسي الصافية من حواف السحب المخضلة ببهاء لا يقل عن ذلك المنعكس من جرم القمر، وربما أكثر تألقا وروعة، ولكن ليس من الثابت أن هذه السحب تندمج في جسم كثيف من الماء، كما أننا في الليل نرى الهواء المعتم يعكس ضوء الشمعة في النافذة الزجاجية مثلما يعكسها جسم كثيف،
63
علينا أيضا أن نجرب تسليط أشعة الشمس خلال ثقب في لهب أزرق قاتم؛ لأننا حقا نرى أن أشعة الشمس الطليقة الساقطة على اللهب الباهت تخفته وتجعله يبدو أشبه بالدخان الأبيض منه باللهب، هذا ما يحضرني ك «شواهد فاصلة» في هذه المسألة، وربما يمكن العثور على شواهد أفضل، ولكن على المرء دائما أن يضع في اعتباره أنه لا يتوقع انعكاس من لهب ما لم يكن لهذا اللهب عمق معين، وإلا يوشك أن يكون شفافا، أما الذي لا شك فيه فهو أن الضوء (الساقط) على جسم مستو هو دائما إما يؤخذ ويمر خلاله وإما ينعكس.
افترض أيضا أن الطبيعة محل البحث هي حركة القذائف خلال الهواء كالرماح والسهام والكرات، يفسر المدرسيون هذه الحركة - كدأبهم دائما - بكثير من عدم الاكتراث، قانعين بتمييزها باسم الحركة العنيفة عن ذلك الذي يسمونه الحركة الطبيعية، وبتعليل الضربة الأولى أو الدفعة الأولى بقولهم: «لا يمكن لجسمين أن يكونا في نفس المكان، وإلا كان ثمة اختراق للأبعاد.» ثم لا يقلق خاطرهم على الإطلاق كيف تمضي هذه الحركة بعد ذلك، ولكن تفرع طريق هذا البحث هو كالتالي: إما أن الحركة تتسبب عن أن الهواء يحمل الجسم المقذوف ويتجمع وراءه، مثلما يفعل النهر بالقارب أو الريح بالذرات، وإما أن الحركة تتسبب عن أن أجزاء الجسم نفسه لا تحتمل الضغط فتدفع نفسها إلى الأمام لكي تتخفف منه. يتبنى فراكاسترو الرأي الأول وكذلك كل الذين انخرطوا - تقريبا - في هذا البحث بأي درجة من الحذق، ومما لا شك فيه أن الهواء يلعب دورا ما في هذا الأمر، إلا أن الرأي الثاني هو الصحيح بالتأكيد، كما تثبت تجارب لا حصر لها، من بين «الشواهد الفاصلة» في هذا الموضوع ما يلي: اثن شريحة من الحديد أو قطعة متينة من السلك الحديدي أو حتى قصبة أو قلما منفصما نصفين، إذ يضغط إلى شكل قوس بين إصبع وبين الإبهام تجده يطفر بعيدا، فمن الواضح أن هذه الحركة لا يمكن أن تعزى إلى الهواء إذ يتجمع وراء الجسم؛ لأن مصدر الحركة هو في منتصف الشريحة أو القصبة وليس في طرفيها.
كذلك لتكن الطبيعة محل البحث هي الحركة التمددية القوية السريعة للبارود إلى لهب، التي تحطم الأشياء الضخمة وتطلق أثقالا هائلة كما نشاهد في المناجم وفي المدافع، فيما يتصل بهذه الطبيعة يتفرع الطريق كما يلي: إما أن الحركة يحفزها مجرد ميل الجسم إلى التمدد عندما يحترق، وإما يحفزها ذلك جزئيا ويحفزها من جهة أخرى ميل الروح الخام في الجسم، التي تفر بعيدا عن النار وتنفجر بعنف من قبضتها كأنما تفر من سجن، غير أن المدرسيين والرأي الشائع لا يتناولون إلا الميل الأول؛ فالناس تتوهم نفسها بلغت ذروة الفلسفة عندما يقررون أن اللهب مزود - بحكم صورته الأولية - بنوع من الضرورة لشغل مكان أكبر مما كان يشغله عندما يكون على شكل مسحوق، وأن هذا هو السبب الذي يفضي إلى الحركة، غير أنهم يفشلون في ملاحظة أنه رغم أن هذا صحيح (إذ إن اللهب مندلع بالفعل) إلا أن تولده يمكن منعه بكتلة من المادة تخمده وتخنقه، فلا تبلغ العملية تلك الضرورة التي يتحدثون عنها، فإذا كانوا على حق في أن اللهب إذا اندلع فلا بد أن يحدث تمدد وأن يتبعه انبعاث أو انطلاق للجسم الذي يسده، إلا أن من الواضح أن هذه الضرورة تمتنع إذا كبتت الكتلة الصلبة اللهب قبل أن يندلع، ونحن نشاهد أن اللهب - وبخاصة في بداية تولده - يكون خفيفا لطيفا ويتطلب حيزا أجوف يعمل فيه ويبلو قوته، ومن ثم لا يمكننا أن نعزو مثل هذا العنف للهب بحد ذاته، إنما الحقيقة هي أن اندلاع هذه النيران العاصفة أو العواصف النارية يحدث كنتيجة صراع بين مادتين من طبيعتين متناقضتين تماما: إحداهما شديدة القابلية للاشتعال وهي طبيعة الكبريت، والأخرى كارهة للاشتعال وهي الروح الخام للنترات، والنتيجة هي صراع هائل، فالكبريت يشعل نفسه جهد ما يستطيع (فالمادة الثالثة، أي فحم خشب الصفصاف، لا يعدو دوره أن يربط المادتين الأخريين ويوحد بينهما)، بينما تنفجر روح النترات بكل قوتها وتتمدد في الوقت نفسه (فالهواء أيضا وكل المواد الخام والماء كذلك يستجيب للحرارة بالتمدد)، وفيما هي تفر وتتفجر فإنها تنفخ لهب الكبريت في كل الاتجاهات، كأنها كبر خفي.
قد يكون لدينا نوعان من «الشواهد الفاصلة» في هذا الموضوع؛ الأول: يتكون من المواد الشديدة القابلية للاشتعال، مثل: الكبريت والكافور والنافثا ... إلخ، مع مركباتها التي تلتقط النار بأسرع وأسهل مما يلتقطها البارود إذا لم تقمع (وهو ما يبين بوضوح أن الميل إلى التفجر إلى لهب لا يفضي بحد ذاته إلى هذا الأثر الهائل)، والثاني: يتكون من المواد التي تتجنب النار وتكرهها، مثل الأملاح جميعا، فنحن نشاهد أنها إذا ألقيت في النار فإن روحها المائية تنفجر بطقطقة صاخبة قبل أن تبدأ النار، ويحدث هذا أيضا بشكل أخف حتى مع أوراق الشجر المتيبسة بعض الشيء، إذ يتفجر الجزء المائي منها قبل أن يلتقط جزؤها الزيتي النار، ولكن هذا يشاهد في أوضح صورة في الزئبق، الذي صدق من أسماه ماء معدنيا، فبخلاف التقاطه النار فهو يكافئ تقريبا قوة البارود في مجرد التفجر والتمدد، ويقال أيضا: إنه حين يخلط بالبارود فإنه يزيده قوة.
افترض أيضا أن الطبيعة محل البحث هي الطبيعة المؤقتة للهب وانطفائه الفوري، فلا يبدو أن طبيعة اللهب هي شيء ثابت دائم هنا على الأرض، بل تتولد كل لحظة وتنطفئ كل لحظة، فمن الواضح أنه في حالة النيران - في خبرتنا - التي تستمر وتدوم، فإن استمرارها الذي نراه ليس استمرار اللهب المفرد نفسه، بل يتسبب من تتابع لهب جديد يتولد باطراد، ولا اللهب يبقى في هوية إحصائية، يتبين ذلك بسهولة من حقيقة أن اللهب يموت بمجرد أن تسحب وقوده أو غذاءه، في هذه المسألة يتفرع الطريق كما يلي: تنشأ الطبيعة المؤقتة إما لتوقف السبب الذي أنتج اللهب في البداية، كما في حالة الضوء والأصوات وما يسمى الحركات العنيفة، وإما لأن اللهب - وإن يكن قادرا بطبيعته ذاتها على البقاء معنا - يعاني عنفا من طبائع أخرى مضادة تحيط به وتقوضه.
لذا فقد نأخذ ما يأتي كشاهد فاصل في هذه المسألة: نحن نرى في النيران الكبيرة كم يرتفع اللهيب، فكلما اتسعت قاعدة اللهب ارتفعت ذروته؛ لذا فيبدو أن الانطفاء يبدأ حدوثه في الحواف حيث يقمع اللهب بالهواء ويكون ضعيفا، ولكن قلب اللهب - الذي لا يمسه الهواء بل يحيطه لهب آخر من كل الجوانب - يبقى في هوية إحصائية، ولا ينطفئ حتى يضغطه الهواء المحيط تدريجيا، وهذا ما يجعل كل لهب على شكل هرم، فهو أعرض عند القاعدة قرب الوقود، ولكنه مدبب عند القمة، حيث الهواء مناوئ والوقود شحيح، أما الدخان - وهو أضيق عند القاعدة - فيتسع كلما ارتفع، ويكون أشبه بهرم مقلوب؛ ذلك لأن الهواء يقبل الدخان ويضغط اللهب، ولا يتصورن أحد أن اللهب المشتعل هو هواء، إذ إنهما في الحقيقة مادتان مختلفتان تماما.
Página desconocida