وكان الشيخ يتكلم، والترجمان يترجم كلامه، والحاضرون مصغون كأن على رءوسهم الطير، وكان خالد بن الوليد أشدهم اهتماما بهذا الحديث؛ لأنه دخل بلاد الفرس، وفتح كثيرا من بلدانها كما تقدم. فلما فرغ الشيخ من كلامه، ووقف يستريح، انحنى خالد نحو أبي عبيدة، وقال له: كان مثل الروم مثل كلاب الصيد فإنها اصطادت لنا لا لها؛ إذ بسحقها سلطنة كسرى سهلت علينا الاستيلاء على بلاد فارس، ولولا ذلك فربما تعذر علينا فتحها.
فالتفت حينئذ الإمام عمر إلى خالد، وقال: لقد سمعتك يا خالد فاتق الله فإنه لا معين سواه.
فسكت خالد، ولم يبد جوابا.
ثم التفت عمر إلى الترجمان، وقال: سل الشيخ. فإذا كانت هذه قوة الملك وجنده يومئذ، فما حل بتلك القوة؟ ولقد سمعت أن الملك احتاج المال فأين ذهب بالغنائم التي غنمها جيشه من الفرس، وهم مشهورون بالغنى والكنوز؟
فأجاب الشيخ: أما الكنوز التي عاد بها من بلاد الفرس فإنه دفعها كلها إلى بطريرك القسطنطينية وفاء للأموال التي أخذها منه لتعبئة الجيش والإنفاق على الحرب كما تقدم، وهذا ما أسخط الجند والأمة، وقد قال بعضهم: إن ذلك حق؛ لأنه وفى دينا عليه، ولكن البعض الآخر يقول: إن أملاك وأموال الإكليروس إنما جمعت من الأمة فإذا أنفقت في سبيل الأمة كان إنفاقها في خير الوجوه. فبدل إعادة تلك الأموال إلى خزائن الإكليروس وحبسها فيها كان يجب إصلاح أحوال الأمة بها.
فقال عمر: أحسنت أيها الشيخ البهي.
فأردف الشيخ بقوله: أما ضعف المملكة بعد تلك القوة فله أسباب عديدة، وإذا شئتم بسطت لكم تلك الأسباب كلها.
فأجاب عمر: تكلم أيها الشيخ.
فقال الشيخ بعد أن تنحنح، وألقى نظرة إلى إيليا: لما تغلب قسطنطين الكبير على رومة نقل كرسي الملك إلى بزنطية
8
Página desconocida