وأما الحمار فلا أرى أنا له مثل البعج بالسيف القلجوري وهو سيفنا. إذ السيف البداوي ليست له دبابة لتبعج بها، فأما إذا تمكنت البعجة بين أضلاعه فهو مقتول لا محالة لكن يتتبع كما تقدم، فسيتصفى دمه حينئذٍ وإن أمكن شمله على خرطومه فلا بأس بذلك فربما منع المرعى ومات.
قال محمد بن منكلي: ولا أرى أن يتبع الحمار الوحشي إلا على فرس طويل النفس جار وهذا معروف عند الصيادين من الجند وغيرهم، وإن أمكن شمل الحمر الوحشية بالسيف أعني الحمر المتعبة بالطرد وجرح أرجلهم أو أيديهم، فقد عطلوا وأخذوا لكن يحتاج ذلك لباقة لئلا يخطئه فيصيب فرسه خصوصًا إذا اشتملت الأرنب والغزال النائمين.
قال محمد بن منكلي: وليكن حين شملك للضربة، ضربك وجريدك حين الضرب معًا ورفعها لئلا تصيب دابتك، وكذلك فعلك مع نعاج الرمل، وتسميتها العرب نعاج الرمل وهي البقر الوحشية.
قال ابن قتيبة: ولا يقال لغير البقر نعاج الرمل، وحركتها أقل من حركة الحمر وهي تبعد في المرعى وتحب الرمل.
قال محمد بن منكلي: وإذا دنوت من الحمار والبقر وأنت صاحب سيف، فاشمل عرقوبها، فتؤخذ سريعًا إن شاء الله تعالى.
وأما كيفية الرشق، فلا يسمى الرشق رشقًا إلا إذا كان بحجر، وقد يحتاج إلى استصحاب الأحجار في أماكن كثيرة حضرًا وسفرًا. أما اتخاذها في البيوت العالية فيتعين ذلك، وقد جاءني منسر سنة تسع وأربعين وسبع مائة فرشقتهم بحجارة كانت مذخرة عندي لذلك، وهي إذ ذاك أنفع من النشاب إذا قربوا إلى الجدر، واتفق أنني أصبت منهم جماعة فتهاربوا جميعهم بعون الله لا بقوتي، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن استعان بالله نصر ومن استعز بغير الله ذل، والذي أراه وأعتمده إذا ابتليت برشق على صيد فلا ينبغي أن أضربه إلا برشقي له على يافوخه مثل الحمار والبقر والغزال، بشرط رفع اليد ما أمكن، فإنه أنكى للمصاب، وكذلك رميك بالحجارة من أعلى الأسوار بحيث يكن إبطك مستورًا مانعًا للسهام وإلا فلا.
وأما كيفية الحذف بالحذافة، وهي التي تسميها الأتراك كرلبي فمن حسن صنيع الحاذق لها أن يتأخر إلى خلف ويشد ركبته على سرجه قويًا، ويحذف بها ما أمكن حذفه في أرجل الصيد، ويمكن الضرب بها على رأس الغزال. وأما الحمار والبقر فلا يكاد يتأثر بالضرب بها بل يتألم. ولا ينبغي أن يضرب بها إلا إذا كانت طويلة العصاة أو الشماريخ وإلا فلا.
ولتكن آلات الجندي من أليف ما يكون بحاله وأنفع وأنكى لعدوه. وإلا فهو عندنا ناقص المروءة دني الهمة خصوصًا عند اتخاذه الفرس الرديء مع إمكانه فلا يعذر، ونحن نؤثر خيولنا على أنفسنا بشهادة الله، وما أخبرني لو أمكنني. وينبغي للجندي اليقظ أن يعتمد على ما في هذه الأبيات في تربية فرسه، وهو ما قاله شاعر بني عامر:
بني عامرٍ مالي أرى الخيل أصبحت ... بطانًا وبعض الضمّر للخيل أمثلَ
بني عامرٍ إنّ الخيول وقايةً ... لأنفسكم والموت وقت مؤجلُ
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا ... صيانتها والصّون للخيل أجمل
متى تكرموها يكرمُ المرء نفسه ... وكلُّ امرئٍ من قومه حيث ينزلُ
وكل جندي اتكل على الغلام فقد أضاع فرسه، ومكّن الغلام من سرقة علفه خصوصًا في وقتنا هذا، فإن أكثر الغلمان لا يحسنون خدمة الخيل لعدم معرفة الأجناد الحذاق لصناعتهم، وأكثر سبب تحمير الخيول من نحس الغلمان يغسلون أيديهم من الزفر في السطل، ويسقون بعد ذلك الخيل، فتعاف الماء في زمن الصيف فيحمرون، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ولنذكر الآن الضواري: فمن ذلك ما يختار من كلاب الصيد ذكورها وإناثها وحسن تربيتها وتدبير جراها وائتلافها على أصحابها.
باب
1 / 12