وأما الدليل العقلي فإن الفرس السابق ربما لا يحسن منظره ولو قوم عليه لم يكن إلا بثمن بخس، فإذا اختبر بالجري ووجد سابقًا وأعطي فيه ثمنًا زائدًا إلى الغاية ورغب فيه، ولم تزل الملوك وغيرهم من الأمراء والأجناد يبذلون المال في تحصيل الفرس السابق إذ بسببه نجاة من الموت أو القتل. ولقد جيء بفرس في أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان ذلك الفرس إذا قوم عليه لا يساوي ثمنه غير ثلاث مئة درهم، وكان حصانًا أحمر فاتفق أنه سوبق به، ويخيل سبق مذخرة عند السلطان، فسبق الجميع وكان صاحبه بدويًا، فأخذه السلطان واحتفل به غاية، وأمير أخر إذ ذاك أيدغمش، وقد اتفق مثل هذه الحكاية كثيرًا ولا ينازع في ذلك إلا الجهال والعامة من الجند الذين لا يحل لهم تناول الإقطاعات، وترى الواحد منهم لا يحس أن يمد قوسًا ولا يركب من الأرض فرسًا. وذلك من لوازم الملك النظر في مثل ذلك إذ في مثله منقصة في المملكة، وأكثرهم يتناول من الإقطاع نحو العشرة آلاف درهم نقرة، والمستحقين لم يجدوا كفاية.
وكأن قائلًا يقول: هذا نصيبهم، فلا حجة في ذلك، وهذا تحصيل الحاصل وتحصيل الحاصل محال، قال تعالى: (توجد آية) . وهذا متوجه من حيث المعنى، ولا يقول غير هذا إلا الأجنبي من العلم، وكل من أخذ مالًا يستحقه فحرام فعله.
فصل في كيفية العمل بآلة الصيد من رمي وزرق وطعن وضرب ورشق حذف
وذكر حسن الآلات المذكورة بعد قال محمد بن منكلي. لطف الله به. اعلم يا سيدي أن قوة الرماة تختلف عن الرمي بالقوس الصلبة والقوس اللينة. فصاحب القوس اللينة أسرع مدًا وإطلاقًا، وأعدل لرمي الصيد خلا الرمي على الأسد، والرمي على الحصون، والرمي على اللابس المصفح، فإن الرمي على المصفح بالقوس اللينة يحتاج إلى دربة وفهم ثاقب. وليس هذا الكتاب يذكر فيه بيان ذلك، وقد ذكرت ذلك في تآليفي فلينظر هناك.
وإذا خرجت يا سيدي إلى الصيد فاستصحب قسيًا كثيرة إن أمكن فربما طال وقت الاصطياد وكثر الصيد، وطال الرمي فتلين قوسك خصوصًا في فصل الصيف، فإذا رميت بهذه القوس التي قد ارتخت قلت نكايتها، وأنا أذكر لك حيلة إذا ابتليت بهذه القوس الرخوة، وأنت طارد خلف صيدك إما غزال أو غيره، فادن منه إن أمكنك ذلك بأن يكون فرسك مستريحًا، وقد غيّرت الفرس الأول وركبت المستريح، فحينئذٍ تركض فرسك المستريح وتتناول القوس الرخوة التي ما معك غيرها لتفريطك أو لضعف حالك أو نسيانك أو لعذر من الأعذار مقبولة أو غير مقبولة، فادن الآن من صيدك إن أمكنك ذلك واستغرق سهمك وتأخر في سرجك الواسع اللاطي المؤخرة كما أعلمتك قبل هذا، وارم فإن تأخرت كما ذكرت لك وأصبت صيدك ربما اثر تأثيرًا جيدًا. وأما إن ركضت فرسك المتعوب، ورميت، بقوس قد ارتخت وبعدت عن طلبتك للصيد، ورميت صرت الآن مضحكة للعارفين بهذا الشأن فالحذر من ذلك، الله، الله.
وإذا أحسست يا أخي من فرسك بتعب فلا تركضه أصلًا فيحرم عليك شرعًا، ولم تعد من العارفين بأمور الجندية.
قال محمد بن منكلي: ويحرم إتعاب الفرس في الطرد خلف الصيد في زمن الصيف، وإذا تكرر على الفرس مثل ذلك فإنه ينقطع وينسل إلى أن يموت، وإن سلم من الموت فلا يحصل له الرجوع لحاله الأول إلا بعد ثلاث ربعات، هذا يعلمه أصحاب الخيل المجربين، وقد علم أن إضاعة المال غير جائزة شرعًا.
وأما الملوك فلهم أمور وأحوال أخر، وأما الرمي عن القوس الصلبة على الصيد وغيره فله شرط، وهو إذا لم يستغرق السهم ويرمي وإلا فصاحب القوس اللينة أنكى سهمًا وأبعد طردًا وأليق حين الرماية. وهذا معروف عن الرماة المجيدين وإذا لم يستغرق السهم في كلا القوسين الصلبة واللينة فلا اعتبار بهذا السهم وأكثر الجبلية لا يستغرقون سهامهم حين الرمي عن القسي لصلبة إذ أكثرهم يتعانون تلك القسي الصلبة وكذلك الإفرنج، خذلهم الله تعالى لا يستغرقون السهم حين الرمي عن القسي الصلبة، ولا يعرفون الرمي على الخيل سواء كانت واقفة أو راكضة.
1 / 10