هذه بيداء من الآراء المختلفة، من الجائز أن يضل الإنسان فيها؛ لذلك نكتفي ببعض الملاحظات لتحديد أوجه هذه المشكلة، ولكن قبل أن نبدأ في ذكره هذه الملاحظات يجب علينا أولا أن نذكر كيف نشرت هذه الأشعار الهومرية، ونتكلم أولا عن كيفية انتقال هذه القصائد إلى أيونيا في آسيا الصغرى.
نستطيع ان نقول إن الشعر كانت له مكانة عظيمة في المجتمع الآخي والأيوني والأيولي؛ إذ كان الشعراء والمغنون ينشدون في المآدب التي يقيمها كبار القوم مثل فيميوس وديمودوكوس وألكينوس. كانت الأغاني التي يختارها هؤلاء الشعراء المغنون تدور حول حوادث خاصة بحياة الأبطال. يظهر لنا من أول وهلة أن هذه الأغاني كانت أغاني قصيرة؛ لأنه من المستحيل على الشاعر أن يغني أغاني طويلة كالإلياذة والأوديسة، خصوصا إذا أخذنا أن الكتابة لم تكن قد ظهرت بعد. بناء على هذه النظرية يمكن استنتاج أن هذه القصائد لم تكن طويلة، وأنها نقلت عن طريق الحفظ والسماع إلى أيونيا، ولكننا نشك في هذا الكلام لوجود فكرة في هوميروس تثبت وجود كتابة في هذه الفترة. كان من الجائز أن نأخذ بهذه الفكرة لو لم توجد الحفائر. أما الآن فإننا نعرف عن طريق الحفائر أن اليونان لم يأخذوا الحروف الهجائية عن الفينيقيين في القرن الثامن أو التاسع؛ لأن الكتابة كانت معروفة منذ زمن طويل في قرن أقدم من القرنين الثامن والتاسع، وكانت الكتابة معروفة في العالم الذي وصل إليه الآخيون؛ لذلك يمكننا أن نأخذ بالرأي القائل بأنه كان هناك نوع من الإلياذة والأوديسة موجود ومكتوب باللغة اليونانية وفي هذا العصر القديم بالذات؛ لأن علم اللغات قد أثبت لنا بطريقة قاطعة أن هناك فاصلا بين القصائد الهومرية وبين الأدب الآخي الذي سبق هذه القصائد والحروب.
ليس هناك من شك في أن هذا مهم من الناحية التاريخية والأدبية؛ لأنه يثبت لنا الأهمية العظمى للشعوب المتكلمة باللغة اليونانية مثل الأيونيون والأيوليون وهم متصلون بالآخيين بصلة القرابة، وبالذين جاءوا إلى بلاد اليونان بعد هجرات الآخيين وقبل هجرات الدوريين.
ثم صارت لهم السيادة بعد أن استتبوا ببلاد اليونان أو بعد هجراتهم إلى آسيا الصغرى، وكانت هذه الهجرات نتيجة للغزوات الدورية.
ولقد سارت القصائد الهومرية في نفس الطريق الذي سارت فيه القصائد الأيونية ثم انتقلت إلى أيونيا بواسطة الكتابة. أما الآخيون فلم يقبلوا أن يكون لهم آداب، فقلدوا الأدب الفريجي المينوي، ثم كان هناك فن ميسيني قلدوه من الأسلحة والأواني الفخارية.
فالقصائد الهومرية إذن قصائد هومرية بحتة لا نجد فيها كلمات إيجية إلا عددا قليلا جدا يكاد لا يذكر، وهي قصائد تسير على نهج القصائد الأيولية، ولكنها اتخذت الشكل الأيوني.
والآن نتحدث عن الكيفية التي نقلت بها هذه القصائد إلى بلاد اليونان. لقد انتقلت بإحدى هاتين الطريقتين أو بالاثنين معا.
أولا:
بالطريقة الشفوية، وذلك بواسطة المنشدين المغنين الذين كان من عادتهم الانتقال من مدينة إلى أخرى، والتقدم إلى المسابقات العامة لنيل الجوائز الكبرى كتاج من الذهب مكافأة على إنشادهم أشعار هوميروس. وكان من عادتهم أن يصعدوا فوق منبر عال ويأخذوا في إلقاء هذه القصائد بصوت جهوري واضح النبرات. وكانوا يعقدون جلسات طويلة على أيام متتالية كي تكفي هذه الجلسات الطويلة لإنشاد الإلياذة والأوديسة كلها. وكان هؤلاء المنشدون يلبسون ملابس فاخرة ذات ألوان زاهية باهرة حمراء عندما ينشدون الإلياذة وأخرى أرجوانية متى ينشدون الأوديسة، وذلك حسب ما قال به كل من الخطيبين سقراط وأفلاطون؛ فقد قال كلاهما إن هؤلاء المنشدين كانوا يذهبون إلى الأعياد التي تقام فيها المسابقات العامة كالأعياد البانأثينية الكبرى
Grandes Panathéneés
Página desconocida