Escritores Árabes en la Jahiliyya y los Inicios del Islam
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
Géneros
العصر الجاهلي
لمحة تاريخية
الشعر الجاهلي
شعراء الجاهلية
أصحاب المعلقات السبع
سائر الشعراء المشهورين
النثر في الجاهلية
صدر الإسلام
لمحة تاريخية
الشعراء المخضرمون
Página desconocida
الشعراء الإسلاميون
ازدهار الشعر السياسي
النثر الإسلامي
العصر الجاهلي
لمحة تاريخية
الشعر الجاهلي
شعراء الجاهلية
أصحاب المعلقات السبع
سائر الشعراء المشهورين
النثر في الجاهلية
Página desconocida
صدر الإسلام
لمحة تاريخية
الشعراء المخضرمون
الشعراء الإسلاميون
ازدهار الشعر السياسي
النثر الإسلامي
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
حياتهم، آثارهم، نقد آثارهم
تأليف
Página desconocida
بطرس البستاني
العصر الجاهلي
500؟-622م
يبتدئ بنهضة الشعر وتنوع أبوابه وبحوره، وينتهي بظهور الإسلام وهجرة رسوله.
لمحة تاريخية
(1) ديار العرب
إذا قيل ديار العرب تبادرت إلى الذهن خيالات جزيرتهم الصحراوية العارية، مع أنه كان لقوم منهم مواطن في الربوع الشامية والعراقية، إلا أن هذه المواطن - على جمالها وتحضر بعضها - لم تكن إلا غديرا من غدران الجزيرة، وطللا من أطلال البادية. فالجزيرة مهد العروبة الخالصة، وكل عربي صحيح النجار يعتزي إليها، وإن شطت به الدار عنها.
وسميت جزيرة من قبيل التوسع؛ لأن البحر لا يكتنفها إلا من ثلاث نواحيها: من الغرب البحر الأحمر؛ ومن الشرق بحر فارس أو خليج العجم؛ ومن الجنوب المحيط الهندي؛ وأما الشمال فمتصل بأرض الشام والعراق.
والجزيرة خمسة أقسام: الأول: اليمن في الجنوب، ويقال لها الخضراء؛ لما فيها من المزارع والأشجار والمراعي والمياه، وهي خمسة أصقاع: حضرموت، ومهرة، والشحر، وعمان، ونجران، ومدنها الشهيرة: صنعاء، وكانت سرير ملوك اليمن، وفيها قصر غمدان؛ ومأرب، ويقال لها سبأ، وفيها العرم؛ وزبيد، وعدن، وظفار قاعدة بلاد الشحر.
والقسم الثاني: العروض، وتشمل البحرين واليمامة، سميت كذلك لاعتراضها بين اليمن ونجد.
Página desconocida
والقسم الثالث: تهامة، على شاطئ البحر الأحمر، بين اليمن والحجاز، وفيها طريق القوافل إلى الشام، ومن مدنها مكة، وفيها البيت، والكعبة، وغار حراء.
والقسم الرابع: الحجاز، بين نجد وتهامة، أشهر مدنه يثرب (مدينة الرسول)، والطائف، وخيبر، وفيه سوق عكاظ، وماء بدر.
والقسم الخامس: نجد، بين العراق شرقا، وبادية الشام شمالا، والحجاز غربا، واليمامة جنوبا: صقع مرتفع ، طيب الهواء، يلهج بذكره الشعراء، وفيه أرض العالية التي كان يحميها كليب.
وفي الجزيرة جبال وأودية، وصحراوات، وحرات. فمن جبالها أجأ وسلمى، في جنوبي بادية السماوة، وهما منازل لبني طيئ؛ ورضوى بالقرب من ينبع، وأحد في شمالي يثرب، وأبو قبيس في شرقي مكة، وأبان الأبيض في شمالي وادي الرمة. ومن أوديتها وادي القرى بالقرب من يثرب، ووادي الرمة بعالية نجد، ومن صحراواتها بادية السماوة، رمال وعس شاقة السير، قليلة الماء والكلأ؛ والدهناء، سبعة أجبل من الرمل بين يبرين وفيد،
1
كثيرة الكلأ على قلة ماء. قال ياقوت: «إذا أخصبت الدهناء، ربعت العرب جمعاء.» ورمال الأحقاف بأرض اليمن بين عمان وحضرموت، ومن حراتها: حرة سليم في عالية نجد، وحرة واقم شرقي يثرب، وفيها كان يوم الحرة في خلافة يزيد بن معاوية.
وهواء الجزيرة يختلف باختلاف ارتفاعها وانبساطها؛ ففي الجبال وعلى شاطئ البحر الجنوبي ينسم معتدلا؛ وفي السهول يلفح حارا؛ وتهب ريح محرقة من الجنوب والغرب تعرف بالسموم.
ويهطل المطر شرقي اليمن في أوانه، وشماليها من حزيران إلى تشرين الثاني، وتكثر الأمطار في حضرموت أيام الربيع، وأما الأقاليم الشمالية فقليلة المطر، قليلة المياه، لا تنبت العشب ولا الشجر إلا في بعض الأماكن، وأكثر شجرها شائك لظمئه إلى الماء، ويشتد البرد إذا احتبس المطر، وثارت الريح من ناحية الشآم،
2
ريح الشمال، فإذا أقلعت خف القر، وسال الوادي، فتفيض الغدران، وتبشر الأرض الصالحة بربيع قريب. (1-1) مراجع
Página desconocida
ياقوت: معجم البلدان.
الألوسي: بلوغ الأرب.
نوفل الطرابلسي: صناجة الطرب.
Henri Lammens. Le berceau de l’lslam . (2) الجيل العربي
يرى جمهرة المؤرخين أن الشعوب السامية، أي التي تحدرت من سام بن نوح، هم: الأشوريون والبابليون والعبرانيون والفينيقيون والآراميون والحبشان والعرب.
3
ويقال إن هذه الشعوب كانت في عهدها الأول تستوطن أرضا واحدة، اختلف المؤرخون فيها، فزعم بعضهم أنها شطوط الفرات، وآخرون أنها بادية العرب، وقال غيرهم إنها أرمينية، ومنهم من رأى أنها الحبش. فلما تكاثروا وضاقت بهم أرضهم، شتت الدهر شملهم فتفرقوا وتشعبوا، وتفرعت لغتهم إلى لهجات مختلفة باختلاف الديار والأمصار.
واتخذ العرب أرض الجزيرة موطنا لهم يعيشون فيها بدوا يألفون الخيام، وحضرا يعمرون المدائن والقرى؛ وكان معظم البدو في الشمال، ومعظم الحضر في الجنوب، ومنهم من نزل بأطراف الشام والعراق. ويقسم العرب إلى بائدة وعرباء
4
ومستعربة؛ فأما البائدة فأصلها مجهول، وأما العرباء فهي القحطانية، وأما المستعربة فهي العدنانية. (2-1) العرب البائدة
Página desconocida
المراد بالعرب البائدة القبائل التي محتها الحروب كطسم وجديس، أو أهلكها الله بغضب منه كعاد وثمود. ولا نعلم عن هذه القبائل إلا أخبارا موجزة ذكرها القرآن، وأساطير مستملحة وشاها الرواة: منها أن طسما كانت تسكن البحرين، وأن جديسا كانت تسكن اليمامة، وكان على طسم ملك غاشم يقال له عملاق، فغلب على جديس، واستبد بها، وهتك حرمة نسائها. فثارت جديس على طسم، وبطشت بها وهي غافلة في وليمة أهدتها إليها، ونجا طسمي فلجأ إلى اليمن واستغاث تبع حسان، فأمده بجيش من قحطان فأفنى جديسا.
ومنها أن عادا كانت تسكن حضرموت، فبغت في الأرض وعبدت الأصنام؛ فبعث الله إليهم نبيا اسمه هود ليصلح فسادهم، فكذبوه، فدعا عليهم، فاحتبس المطر عنهم ثلاث سنوات، وأمحلت الأرض، فأوفدوا إلى مكة نفرا يستسقون لهم، فأرسل الله عليهم ريحا عاتية فلم تبق منهم أحدا.
ومنها أن ثمود كانت تسكن الحجر من وادي القرى، فسخرت بنبيها صالح، وأبت أن تطيعه أو يصنع لها معجزة. فأخرج من الصخر ناقة وفصيلها، وأوصاهم ألا يمسوها بسوء، فاجترأ أحدهم - قدار الأحمر - وعقرها؛ فغضب الله على ثمود كما غضب على عاد، فأبادهم بالزلزال، وضرب المثل بشؤم عاقر الناقة؛ أحمر ثمود.
ولم تخل أساطير العرب البائدة من الشعر، ولكنه منحول وضعه الرواة تزيينا لأقاصيصهم فما يصح التعويل عليه. (2-2) العرب القحطانية
نزلت العرب القحطانية في الجنوب، واتخذت اليمن موطنا لها. وقيل إن أول من نزلها يعرب بن قحطان وأولاده، وتزعم الرواية العربية أنه أول من نطق باللسان العربي، وأول من جعلت له التحايا الملوكية. قال حسان بن ثابت:
تعلمتم من منطق الشيخ يعرب
أبينا، فصرتم معربين ذوي نفر
5
وكنتم قديما ما لكم غير عجمة
كلام. وكنتم كالبهائم في القفر
Página desconocida
واشتهر بعد يعرب حفيده عبد شمس سبأ، مؤسس المملكة السبئية، وباني السد العظيم
6
على بضعة أميال من قاعدتها مأرب توفيرا للري، وصيانة للمدينة من الغرق؛ لأن النهر الذي يجري بقربها يجف ماؤه في الصيف، فيخشى على الزرع، ويطغى سيله في الشتاء فيخشى منه الفيضان.
وكانت أرض سبأ طيبة الترب، خصبة العشب، فنمت زراعتها، وأثمرت غلالها، وزادها الله خيرا بإحياء تجارتها، فكانت السفن تقل حمولة الهند إلى حضرموت، ومنها إلى مصر، منذ القرن العاشر قبل المسيح. وكانت الملاحة في البحر الأحمر عسيرة شاقة، فعدل عنها إلى البر، وتعهدت القوافل حمل بضائع الهند وحضرموت إلى مأرب فمكة، ففلسطين فمصر.
على أن هذا اليسر أخذ يتبدل عسرا منذ القرن الأول للميلاد؛ إذ تحولت التجارة الهندية عن طريق البر في اليمن إلى البحر الأحمر بتقدم الملاحة الرومانية واتساع نطاقها. فساءت أحوال السبئيين، واضطربت جماعتهم فنفروا إلى الشمال يلتمسون فيه موطنا جديدا لهم، فأوحشت مرابعهم، وضعفت شوكتهم. ثم كان انفجار السد
7
ففاضت المياه على مأرب، فأزعجت عنها السكان، وقضت على دولة السبئيين، فتمزقوا أشتاتا، وضرب بهم المثل فقيل: «تفرقوا أيدي سبا.» وغلبت عليهم دولة الحميريين.
والحميريون شعب من ذراري السبئيين
8
اتسع سلطانهم فجاوز اليمن، وانبسط على عرب الشمال، وكانت عاصمتهم صنعاء، وملوكهم يلقبون بالتبابعة، أولهم الحارث الرائش، وعرف بعضهم بالأذواء.
Página desconocida
9
وفيهم ملوك صغار يسمون بالأقيال، يسيطرون في مخاليفهم أو إقطاعاتهم، ويعودون بشئونهم العامة إلى تبع الملك الأكبر.
وكان من أثر هجرة القحطانيين إلى الشمال أن ضعفت شوكة اليمن، كما ذكرنا، فطمعت فيها الحبشان، فوالت عليها الغارات البحرية، يشد ساعدها قيصر الروم، فافتتحت بعض بلادها سنة 356، وجعلت عليها الولاة المسيحيين، فتداولوا الملك فيها، حتى قام ذو نواس في أواخر القرن الخامس للميلاد،
10
وكان يهوديا من أعقاب التبابعة، فتعصب لدينه واضطهد النصارى. وحدث أن قتل طفلان يهوديان في نجران واتهم النصارى بقتلهما، فسخط ذو نواس عليهم، وخيرهم بين اليهودية والقتل، فأبوا أن يتهودوا، فأعمل السيف فيهم، وقيل: إنهم هم أهل الأخدود الذين أخبر عنهم القرآن، أضرمت عليهم النار فكانوا لها وقودا.
ولا شيء يدل على أن ذا نواس استطاع أن يستأصل شأفة النصارى، ولكن نعلم أن جماعة منهم فزعوا إلى يوستين الأول - قيصر الروم - يستغيثونه، فكتب إلى النجاشي هيلستيوس أو الأصبح - وكان من غلاة النصارى - بأن ينوب عنه في غزو اليمن، والإثئار لقتلى نجران، فأغزاها قائده أرياط بسبعين ألفا من الحبشان، فانهزم أمامهم ذو نواس، وخاض البحر بفرسه، فلم يظهر له أثر. وصارت اليمن إمارة حبشية في نحو سنة 525م، تولاها أرياط ثم أبرهة الأشرم من بعده.
وفي نحو سنة 570م سار أبرهة بجيشه إلى مكة يريد هدم البيت الحرام، فدهاهم وباء الجدري، وسرى فيهم يفتك فتكا ذريعا، ولم يسلم منه أبرهة، فارتد عن الكعبة بمن نجا من جيشه، ومات في صنعاء. وتعرف غزوة أبرهة بعام الفيل؛ لأن الرواية العربية تقول إنه جاء مكة راكبا على الفيل.
وظل الحبش مستولين على اليمن حتى قام سيف ذو يزن سنة 575م يعمل لتحرير بلاده، واسترجاع ملك آبائه، فاستنجد كسرى، فأمده بجيش من أهل السجون، يقودهم وهرز الديلمي، وكان على اليمن مسروق بن أبرهة، فانكشفت الحبشان وقتل مسروق، وملك ذو يزن، أو خلفه ابنه معدي كرب، وهو آخر ملوك اليمن من القحطانيين. ثم ثار على معدي كرب عبيده الأحابش فقتلوه، فاستولت الفرس على اليمن سنة 597م، وجعلتها بعض ولاياتها، فلم يتحقق لها استقلال حتى ظهر الإسلام.
وفي أساطير العرب القحطانية وأخبارهم شعر موضوع لا يصح الركون إليه؛ لأنه جاءنا باللغة العدنانية، ولم تكن يومئذ لغة أهل اليمن، بل كانت الحميرية لغتهم، وبينها وبين لسان عدنان اختلاف عظيم. (2-3) اليمانية المهاجرة
تفرقت القبائل القحطانية في وسط الجزيرة وشمالها بعدما نبت بها اليمن. فمنها من سكن البادية وعاش فيها عيشة الأعراب الجفاة؛ ومنها من نزل القرى وأطراف الشام والعراق. وكان الذين هاجروا من حمير قبائل قضاعة، فاستوطنت تنوخ العراق، وكلب بادية الشام، وعذرة وادي القرى في الحجاز. وكان الذين هاجروا من كهلان قبائل الأزد فنزلوا عمان. ومنهم الغساسنة في الشام، وخزاعة بمكة، والأوس والخزرج بيثرب. ومن كهلان بنو لخم ملوك العراق، ومنهم المناذرة، وبنو طيئ في جبلي أجأ وسلمى، وبنو عاملة وبنو جذام في بادية الشام، وبنو كندة، وكانوا أقيالا في حضرموت يخضعون للتبابعة، فاتسع سلطانهم إلى الأنحاء الشمالية، فسادوا قبائل غطفان وأسد في نجد، وقبائل بكر وتغلب في ديار ربيعة، حتى بلغ الأمر بأحد ملوكهم الحارث بن عمرو أن ينافس المناذرة والغساسنة، وأغار مرة على الحيرة فشرد ملكها المنذر الثالث ابن ماء السماء. فلما عاد المنذر إلى ملكه، أوقع بالكنديين، فأخذ منهم نحو خمسين أميرا وذبحهم بجفر الأملاك في ديار بني مرينا بين دير هند والكوفة، وفيهم يقول امرؤ القيس:
Página desconocida
ألا يا عين بكي لي شنينا
وبكي لي الملوك الذاهبينا
11
ثم قتل الحارث في أرض بني كلب، وقتل بعده ابنه حجر والد امرئ القيس الشاعر. فتحلحل بناء كندة منذ اليوم، وكر بعضهم إلى مواطنه الأولى في حضرموت.
وكانت اللغة العدنانية صاحبة السلطان على القبائل القحطانية المهاجرة إلى الشمال؛ ذلك بأنها لغة البلاد التي استوطنوها، فاصطلحوا عليها في أدبهم، ونظموا بها شعرهم، ونبغ منهم شعراء مجيدون، هدهدوا البادية بأنغامهم، وتبوءوا سدة الرئاسة بشاعرهم امرئ القيس أمير بني كندة. (2-4) ملوك العراق
كان العراق في أوائل القرن الثالث للميلاد يضم إليه شعوبا من القبائل اليمانية المهاجرة عرفوا جميعا بالتنوخيين، على ما فيهم من قبائل لخمية وأزدية وأخرى عدنانية. فعاش منهم جماعة عيشة البدو، دأبهم الغزو وشن الغارات، وانصرف آخرون إلى حرث الأرض وعمارتها، فأنشئت المزارع والقرى، ومصرت الحيرة
12
قاعدة الإمارة اللخمية التي أقامها الفرس وقاية لحدودهم، وسدا يدفعون به غارات الروم وعمالهم الغساسنة، وأقطعوها اليمانية، كما أقطع الروم إمارة الشام، لما لقبائل اليمن من حضارة قديمة، ويد سابقة في إدارة الملك وسياسة الرعية.
وكان أول أمير من اللخميين عمرو بن عدي، ولي الملك من قبل سابور الأول في نحو منتصف القرن الثالث، ثم تداول الملك خلفاؤه، وتقدمت الحيرة في عهدهم تقدما بينا، فأنشئت فيها المدارس الفارسية، فنالت قسطا من الثقافة، وشاعت بها الكتابة العربية، ولا سيما عند القبائل النصرانية التي كانت تعرف بالعباد، لعبادتها الله. وفتح الأمراء أبواب قصورهم لشعراء البادية، منافسين أعداءهم الأمراء الغسانيين، متوسلين بالشعر إلى بسط نفوذهم على القبائل العربية ليستعينوا بها في حروبهم، ويستفيدوا منها في حياتهم الاقتصادية. فكان عبيد بن الأبرص يفد على المنذر الثالث صاحب الغريين،
13
Página desconocida
وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وطرفة والمتلمس والمثقب العبدي يفدون على عمرو بن هند،
14
والنابغة والمنخل اليشكري ولبيد وحسان بن ثابت والربيع بن زياد ... وسواهم، يفدون على النعمان الثالث أبي قابوس. ونبغ في زمن النعمان هذا شاعر الحيرة الأوحد عدي بن زيد النصراني.
وكان ملوك الحيرة وثنيين، مع انتشار النصرانية في العراق، ومنهم من كان مزدكيا كالمنذر الثالث، ويزعم بعضهم أنه تنصر، وليس هذا بثابت، وربما تنصر غيره من أمراء الحيرة.
وتضعضع ملك المناذرة بعد النعمان أبي قابوس،
15
وصارت ولاية الحيرة إلى إياس بن قبيصة الطائي. ثم تولاها الفرس حتى جاء الإسلام وافتتحها خالد بن الوليد سنة 633م. (2-5) ملوك الشام
هاجرت القبائل اليمانية إلى أطراف الشام، كما هاجرت إلى أطراف العراق، واتخذ القياصرة منها عمالا لحماية الحدود؛ كما اتخذ منها الأكاسرة. فكان الضجاعم من بني سليح يلون البلقاء في عبر الأردن، ويرجعون بأمورهم إلى ملك الروم، حتى جاء الغساسنة بنو جفنة، فزاحموهم في عقر دارهم وأزعجوهم عنها في أواخر القرن الخامس، واستولوا على البلقاء وما يليها من الأردن وحوران وغوطة دمشق. ولم يجد العاهل البيزنطي بأسا في استعمال الغسانيين بدلا من الضجاعمة، فأقطعهم تلك البلاد، ومنح أمراءهم الألقاب السنية، وألبسهم الأكاليل والتيجان.
واختلف في أول من ملك منهم لغموض تاريخهم، فقيل إنه جفنة بن عمرو، وقيل بل هو ثعلبة بن عمرو بن جفنة، وجارى نيكلسون ابن قتيبة فجعله الحارث بن عمرو. أما نولدكه - وهو أوثق من يعتمد عليه في تاريخ الغساسنة - فيرجح أنه أبو شمر جبلة بن الحارث بن ثعلبة. بيد أن أول أمير اشتهر منهم واتسع سلطانه هو الحارث بن جبلة المعروف بالحارث الأكبر صاحب الغزوات المظفرة، والألقاب الرفيعة.
16
Página desconocida
وخلفه ابنه المنذر فحارب اللخميين، وقهر ملكهم قابوس بن المنذر سنة 570، يوم عين أباغ
17
قرب الحيرة، وزار عاصمة الروم سنة 580م، وعليها طيباريوس، فتوج فيها. إلا أن القيصر لم يلبث أن سخط عليه، فأمر باعتقاله، وجاء به إلى القسطنطينية في أواخر سنة 581م،
18
ومنع عن أبنائه الجعالة السنوية، فثاروا في الشام، وشنوا الغارات على الأراضي البيزنطية، فطاردتهم جيوش الروم، وأسرت النعمان أخاهم الأكبر، فمال عرش الغساسنة إلى الضعف، وانفصلت عنه عدة إمارات، حتى إذا استولى الفرس على ديار الشام هوى العرش، وذابت الإمارات، وخضع أكثر أصحابها للفاتحين. على أنه عاد للغساسنة شيء من ملكهم بعدما طرد هرقل الفرس من سورية وفلسطين سنة 628، فإن مؤرخي العرب يجمعون على أن جبلة بن الأيهم آخر من ملك من بني جفنة، وأنه كان في مقدمة جيش الروم يوم اليرموك سنة 636 ثم انحاز إلى الأنصار وقال لهم: «أنتم إخوتنا وبنو أبينا.» وأظهر الإسلام ثم ارتد وخرج إلى بلاد الروم.
19
ويروون عن إسلامه وارتداده أخبارا مختلفة لا تخلو من الاصطناع.
وكان للغساسنة قسط من الحضارة لا ينبغي إنكاره لتأثرهم بحضارة البيزنطيين، ولم تكن دولتهم بدوية خالصة، لا عاصمة لها، كما زعم بعض المستشرقين، بل كان لهم مستقر في جابية الجولان حينا، وفي جلق
20
آخر، وربما كانت بصرى من قواعدهم. ويضيف إليهم مؤرخو العرب بناء القصور العالية، والبنايات العامة؛ فمهما يكن في أقوالهم من الغلو، فهي أقرب إلى الدلالة على الترف والعمران منها على البداوة والخشونة. وفي بائية النابغة التي يمدح بها أبناء جفنة وصف لملابسهم وحفلاتهم الدينية يدل على نعمتهم وتقدمهم في الحضارة، ويذهب المستشرق نيكلسون إلى أن مدينة الغساسنة كانت أوثق من مدينة اللخميين.
Página desconocida
ووفد شعراء البادية على قصورهم، كما وفدوا على قصور ملوك العراق، ومدحوهم بأحاسن الأشعار، فرجعوا من عندهم بأحاسن الصلات، وأشهر مداحيهم: علقمة الفحل، والنابغة، وحسان بن ثابت.
وكان الغساسنة يدينون بالنصرانية، على مذهب اليعقوبية المبتدعة، فأسخطوا عليهم - غير مرة - قياصرة الروم الكاثوليكيين، ولكن حاجة هؤلاء إليهم كانت تحملهم على أخذهم بالحسنى والتساهل. وربما كانت عقيدتهم المخالفة من أسباب سقوط بعض ملوكهم، كما سقط المنذر بن الحارث بعدما أمر القيصر باعتقاله ونفيه. (2-6) العرب العدنانية المستعربة
يعود المؤرخون بنسب العرب العدنانية إلى إسماعيل بن إبراهيم من جاريته هاجر، ويروون على ذلك أنه لما ولد إسماعيل أمر الله إبراهيم أن يذهب به وبأمه إلى مكة، ففعل. وجاءت جرهم وقطوراء، وهما قبيلتان من اليمن، فنزلوا مكة، فتزوج إسماعيل من جرهم، وكان من ذريته عدنان أبو العرب المستعربة، ومن عدنان كانت القبائل النزارية بشعبيها الكبيرين ربيعة ومضر. ولا تخلو سلسلة الأنساب - كما يرتبها النسابون متحدرة من عدنان إلى معد، إلى نزار، إلى ربيعة ومضر، إلى البطون والأفخاذ المتفرعة - من وهم واختلاط.
وكان الشمال موطن العرب العدنانية، كما كان الجنوب موطن العرب القحطانية، وهذا لا يعني أن الشمال استأثر بالعدنانية وحدها، ولا أن العدنانية لم يتخذ بعض قبائلها موطنه في الجنوب، أو في أطراف الشام والعراق.
وغلبت البداوة الخشنة وسكنى الخيام على عرب الشمال، فكان العدنانيون في كثرتهم بدوا رحلا لا يأنسون بقرية، ولا يتفيئون ظلا معمورا إلا أقلهم كبني قريش في مكة، وبني ثقيف في الطائف.
على أن هؤلاء البدو الجفاة هم الذين أنبتوا فحول الشعراء، وجاءنا عنهم الشعر الكثير. (2-7) مراجع
المسعودي: مروج الذهب 1.
البلاذري: فتوح البلدان.
الألوسي: بلوغ الأرب 1-2-3.
نولدكه: أمراء غسان، الترجمة العربية، زريق وجوزي.
Página desconocida
أحمد أمين: فجر الإسلام.
الأصفهاني: الأغاني.
ابن عبد ربه: العقد الفريد 3.
نيكلسون: تاريخ الأدب العربي.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن رشيق: العمدة.
الأب شيخو: النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية. (3) أحوال العرب الاجتماعية
عرف الشعر الجاهلي بأنه ديوان العرب؛ لاشتماله على أخبارهم، وسائر أحوالهم، فجدير بنا، ونحن نمهد لهذا الشعر بلمحة تاريخية، أن نلم بأخلاقهم وصفاتهم، وما لهم من عادات وعقائد ونظم وعلوم؛ وإن الإلمام بهذه الشئون لمما يساعد على دراسة شعرهم واستجلاء مراميه. (3-1) شخصية العربي
للعربي شخصية قوية تظهر بأنانيته، ونزوعه إلى الحرية والاستقلال، وحبه الخير لنفسه دون غيره، والاستئثار بالجاه والذكر الحسن وحميد الصفات. وتظهر في جلده وصبره على الفقر والجوع والظمأ ومغالبة الطبيعة في صحرائه العاتية، تلك الصحراء التي لفحته بحرها فتركته أسمر اللون يابس الجلد خفيف اللحم، أسود العينين والشعر؛ واستولت على إحساسه بوحشتها، فجعلته حديد السمع والبصر، سريع التأثر، متوتر الأعصاب، مذعنا للقضاء والقدر؛ وعلمته بقحطها الغزو والترحل في طلب الماء والكلأ؛ وصيرته كريما مقداما يقري الضيوف ويلتقي الأهوال، ويمنع الجار ويغيث الملهوف، لتعرضه في ترحاله إلى أن ينزل ضيفا على غيره؛ وفي مخاوفه إلى أن يستغيث قوما يجيرونه، ويدفعون الضر عنه، حتى أصبح حب القرى وحسن الجوار من طبائعه، يفاخر بهما، ويرى من العار عليه ألا يكرم الضيف ويحامي عن الجار. (3-2) القبيلة
كانت عرب البادية تعيش قبائل متقاطعة، لا يجتمع بعضها إلى بعض إلا في حلف موقوت. فلم يستطيعوا في صحرائهم، وما يقتضي لها من حياة قبلية، أن ينشئوا مجتمعا راقيا، وقومية شاملة، ودولة موحدة، ولم تبتعد عصبيتهم عن القبيلة، وإن فاخروا بجنسهم واعتدوا به على سائر الأمم.
Página desconocida
وبين الفرد والقبيلة صلة مكينة تجعل الفرد بجميعه للقبيلة، والقبيلة بجميعها للفرد. فإذا نزل عار بالقبيلة أصاب كل شخص منها، وإذا نبه ذكر شخص عاد فخره إلى القبيلة بأسرها، وتتحمل القبيلة جناية أخيها، وتنصره ظالما أو مظلوما.
21 (3-3) السيد
والعرب في استقلالهم القبلي ينكرون سيطرة الغريب عليهم، ولا يقبلونها إلا على كره، حتى إذا أصابوا فرصة، انتقضوا عليه وأزالوه، كما انتقضت بنو أسد على الملك الكندي، وعمرو بن كلثوم على عمرو بن هند. ولكنهم يذعنون لسيد منهم، إذا رأوا في سيادته خيرا لهم، فكان لكل قبيلة سيدها يجمع شملها ويقودها في الملم العصيب.
ولا تستقر السيادة في بيت واحد لأنانية العربي، ونزوعه إلى المنافسة،
22
فكانت تنتقل في القبيلة من بيت إلى آخر،
23
وقلما تعددت في بيت واحد؛ فكان تعددها من مفاخرهم. وأشرف البيوت عندهم بيت تتابعت فيه رئاسة آباء ثلاثة، ثم اتصلت بالرابع، فيسمى الكامل، كبيت حذيفة بن بدر في بني ذبيان، وبيت ذي الجدين في بني شيبان.
والبدوي في عنجهيته وحبه للرئاسة لا يخضع لمساو له، وإنما يخضع لمن هو أقوى منه، وينبغي أن يتحلى الرئيس بصفات محمودة عندهم، لتحق له السيادة في قبيلته، وأجل هذه الصفات: الغنى والكرم والحلم والشجاعة والفصاحة. وإذا قالوا: سيد معمم، أرادوا أن كل جناية في العشيرة معصوبة برأسه. قال دريد بن الصمة:
عاري الأشاجع معصوب بلمته
Página desconocida
أمر الزعامة في عرنينه شمم
24
على أن هذه الصفات يندر أن تجتمع كلها في سيد واحد، بل يندر أن يخلو الرؤساء من عيوب الرئاسة.
25 (3-4) المرأة
تغلب صفرة اللون على النساء العربيات، وتستحسن فيهن إذا كانت ضاربة إلى البياض،
26
ويوصفن بسواد الشعر والعينين، واعتدال القامة، ورقة الخصر، وثقل الأوراك. والبدوي ينظر إلى المرأة كأداة للذة والنسل يريد منها أن تلد له غلمانا ينافس بهم غيره من الناس. والمنافسة بكثرة البنين من عاداتهم؛ لأن الصبي يرجى للذود عن الحمى، وإحياء الذكر، وبه يتسلسل النسب. فكانوا يكرهون ولادة البنت، وربما تشاءموا بها فوأدوها، وعرف الوأد في قبائل العرب قاطبة، بيد أنه لم يكن شاملا، فإذا استعمله واحد تركه عشرة، حتى جاء الإسلام فأبطله.
27
وكان يهمهم تزويج الحرة البيضاء؛ لأنها عرضة للسبي، فإذا صارت في كنف زوج، وضمها حماه كانت غلا في عنقه. وقد تخير في أمر زواجها، إذا كانت فطنة رشيدة، كما خيرت الخنساء في دريد بن الصمة.
والبدو يتزوجون صغارا لطبيعة أرضهم، ولرغبتهم في البنين. فالفتى يتزوج في الخامسة عشرة، والفتاة في العاشرة. وكانوا يرغبون في زواج البعداء؛ ليتألفوا أعداءهم بالمصاهرة، ويكثروا الأحلاف، وهم إلى ذلك يعتقدون أنه أنجب للولد وأبهى للخلقة، ويجتنبون زواج الأهل والأقارب، ويرونه مضرا بخلق الولد ونجابته.
Página desconocida
ويخطب الرجل إلى الآخر ابنته، فيصدقها ثم يعقد له عليها. وله أن يعدد الزوجات مقدار طاقته، إلا إذا اشترطت المرأة عدم التعدد، وتعاقدا عليه.
وكانوا لا يجمعون في الزواج بين الأختين، ولا بين المرأة وابنتها، ولكنهم استحلوا زواج امرأة الأب، فأبطله الإسلام، وسماه زواج المقت لأنه ممقوت.
وربما تزوج بعضهم نساء بعض في غاراتهم بلا عقد، أو ذهبت المرأة إلى عدة رجال، فيأتي الولد لا يدري من أبوه ، فتلحقه أمه بمن تريد من الرجال الذين عرفتهم ، ولا يرفضه الرجل إذا كان ذكرا؛ أو يلجئون إلى القيافة ويلحقونه بأقربهم إليه شبها.
ويفاخرون بالولد إذا كانت أمه حرة بيضاء زاكية الأصل،
28
ويسمونها أم البنين، ويفاخرون بالأخوال، ويشبهون الأولاد بهم دلالة على النسب الحر، أما الأمة فتكون على الغالب سوداء، ولا يعترف بأبنائها إلا بعد أن تظهر نجابتهم، كما اعترف شداد العبسي بعنترة، وكما قال عمرو بن شأس في ولده عرار:
وإن عرارا إن يكن غير واضح
فإني أحب الجون ذا المنكب العمم
29
وللزوج عندهم حق الطلاق دون المرأة، إلا إذا اشترطته في عقد الزواج، ولا يحق للزوج أن يسترجع امرأته بعد تطليقها ثلاثا، ولكنه يسترجعها بعد تطليقها مرة أو مرتين. وإذا كانت المرأة في بيت من شعر، وأرادت الطلاق، حولت بابه إلى الجهة المقابلة، فيعلم زوجها أنها طلقته، فلا يدخل الخباء، شأن حاتم الطائي عندما طلقته زوجه ماوية.
Página desconocida
وإذا مات الزوج تربصت سنة معتدة
30
لا تخرج من بيتها، ولا تمس ماء، ولا تقلم ظفرا، حتى إذا استكملت عدتها خرجت بأقبح منظر وأقذره، والعدة للمرأة انتظار ليعلم فيها وجود الولد وعدمه.
ونساء العرب يصحبن رجالهن إلى الحرب، فيحضضنهم على الصبر في مواقف القتال، ويمنعنهم أن يلوذوا بالفرار، ويداوين الجرحى، ويحملن قرب الماء، ويقتن الخيول، قال عمرو بن كلثوم:
يقتن جيادنا ويقلن لستم
بعولتنا إذا لم تمنعونا
ولهن حق الجوار كما للرجال، وعلى الرجل أن يحمي جار امرأته وأخته وأمه وجارته كما يحمي جاره.
وعرف منهن غير واحدة بالشجاعة، والفصاحة والشعر، وحسن الرأي والحكمة والعرافة. على أنهن مضعوفات في الجملة، يحتقر الرجال مكانهن، ويتشاءمون بولادتهن، ويسيئون الظن بأخلاقهن، فينعتونهن بالكيد والمكر والخيانة والخداع. (3-5) غزواتهم
كان للعرب حروب كثيرة، أو هي غزوات غير منظمة، يجعلون من أيامها مادة لفخرهم وإخزاء أعدائهم. وكثيرا ما كانت تقع من أجل النهب والسلب، أو مزاحمة على الماء والكلأ؛ ومنها ما كان يحدث لأسباب تافهة تعظمها عنجهية البدوي كحرب البسوس التي نشبت لمقتل ناقة، وكان الدافع إليها الحفاظ على الجوار؛ وحرب داحس والغبراء التي أفضى إليها التنافس في الرهان بين سيدي القبيلتين، وقلما وقعت حرب لدفع عدو غريب كحرب ذي قار بين الفرس وبني بكر، وحروب اليمن والأحابش، وإنما كانت حروبهم في الغالب داخلية قبلية، وإذا خرجوا بها عن شبه جزيرتهم فإلى تخوم العراق والشام ليتقاتلوا في سبيل كسرى وقيصر.
وهذه الحروب - على كثرتها - لم تكن تفجع البدو بالعدد الجم من الضحايا؛ لأن معظمها قائم على النهب والفرار بالغنيمة، حتى إن حرب البسوس التي تعاود القتال فيها بنو بكر وبنو تغلب أربعين سنة لم يقتل بها سوى قليل من الرجال. فقد كان البدوي يتحامى القتل جهده؛ لأن تقاليدهم تقضي بأخذ الثأر أو دفع الديات الثقيلة، وربما لا تغسل الديات الأحقاد؛ لما في قبولها وترك الدم من غضاضة، ثم لاعتقادهم أنه إذا قتل الرجل، ولم يدرك بثأره، خرج من رأسه طائر يشبه البوم يسمونه الهامة والصدى، فلا يزال يصيح: اسقوني اسقوني! حتى يقتل القاتل أو أحد أقاربه. قال ذو الإصبع العدواني:
Página desconocida
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي
أضربك حتى تقول الهامة اسقوني!
فشريعة أخذ الثأر - كما يسميها الأب لامنس
31 - خففت حوادث القتل؛ إذ جعلت الدم يدعو الدم، وفرضت على الموتور أن يحرم على نفسه أحب الأشياء إليه كالنساء والخمر والعسل والطيب. لا تحل له أو يأخذ بثأره.
ولم تكن جيوشهم منظمة بل أشتاتا يقودها سيد القبيلة، ويقوم على رأس كل فصيلة قائد يقال له المنكب، يأمر على خمسة عرفاء، والعريف يأمر على نفير
32
من الرجال، ومن عادة القبيلة أن تشترك كلها في الحرب للدفاع عن المال والنساء والأولاد، والبدوي لا يصبر في القتال إلا إذا خشي أن يستولي العدو على أهله وماله وولده. أما إذا غزا فإنما هو يطلب الغنيمة، فإن فاتته طلب الهرب، ولذلك كان الفر في حروبهم ملازما للكر، وقلما عرفوا قتال الزحف والثبات، ولا يستحيي أشد فرسانهم بطشا أن يحدثنا عن فراره، قال عمرو بن معدي كرب:
ولقد أجمع رجلي بها
حذر الموت وإني لفرور
33
Página desconocida
وكان سلاحهم السيف والرمح والقوس والمجن، ويلبس فرسانهم الدروع والمغافر. وكانوا يرفعون الرايات، وربما اتخذوها من عمائم ساداتهم، ويتغنون بالشعر ويرتجزون محمسين أنفسهم؛ فإذا تم لهم النصر، عادوا بالأسلاب والسبايا فاقتسموها أنصبة، وأما الأسرى فمصيرهم إلى القتل أو يقدموا الفداء، ولا يطلقونهم إلا بعد أن يجزوا نواصيهم، فتحفظ في كنائنهم لأيام المفاخرات. قال الحطيئة:
قد ناضلوك فسلوا من كنائنهم
مجدا تليدا ونبلا غير أنكاس (3-6) معايشهم
كان عرب البادية يعتمدون في عيشهم على رعاية الإبل، ثم على الغزو والصيد وحراسة القوافل. وأما أهل الحواضر فإن وسائل الرزق اتسعت عليهم، وعرفوا أركان العمران الثلاثة: التجارة والزراعة والصناعة. وكانت اليمن في مقدمة البلاد العربية تحضرا وخصبا، فانبسطت تجارتها، ونمت زراعتها، وتوافرت لها الصنائع، ولا سيما الوشي والحياكة. وعرب الشمال - على بداوتهم وخشونة عيشهم - لم يحرموا التجارة في حواضرهم؛ فقد كانت مكة - في توسطها الطبيعي ومقامها الديني - محطة لقوافل اليمن والشام، وسوقا رائجة تعرض فيها بضائع التجار، واشتهر أهلها القرشيون برحلاتهم التجارية، فكانت لهم في السنة رحلتان: رحلة الصيف، ورحلة الشتاء. وكذلك أهل يثرب عرفوا بالتجارة، ولا سيما اليهود.
وهناك أسواق كانت تقام في أوقات معلومة للبيع والشراء، وأعظمها سوق عكاظ، وكان عرب الحيرة يتجرون مع الفرس، ويتولون حماية قوافلهم في عرض القفار.
وكذلك كان للزراعة شأن في بعض الحواضر الشمالية كالطائف ويثرب وخيبر ووادي القرى وتيماء. أما الصناعة فإن الأعراب كانوا يحتقرونها ويعيرون صاحبها، فهم أبعد الناس عنها كما يقول ابن خلدون، ومع ذلك ألموا بأشياء كالحدادة والنجارة والخياطة والصباغة، وكانت في القرى المعمورة، كمكة ويثرب والطائف.
وعلى الجملة فعرب الشمال لم يبلغوا شأو عرب الجنوب في الحضارة والأخذ بأسباب العمران، فصرفوا همهم إلى الغزو ينهبون الأموال، ويسبون النساء والأولاد، فيسترقونهم أو يبيعونهم في أسواق النخاسة؛ وإلى رعاية الإبل وحسن القيام على تربيتها؛ لأنها تقضي جميع حاجاتهم: تحملهم وتحمل أثقالهم، وتغذيهم بلحمها ولبنها، وتكسوهم وتبني بيوتهم بأوبارها؛ وبها يفتدون أسراهم، وعليها يقايضون في المبايعات، ومنها يؤدون المهور والديات والغرامات. (3-7) أديانهم
وكانوا في جاهليتهم على أديان مختلفة، ومذاهب متعددة، يؤلهون الأصنام والكواكب، ويعبدون الله، ويخلطون المذاهب بعضها ببعض، مازجين التوحيد بالشرك، والعقائد السماوية بالعقائد الوثنية. وهم إلى ذلك ليسوا على دين ثابت، أو عقيدة مكينة، شأنهم في حياتهم المتنقلة المضطربة.
وكان اليونان والرومان قد حملوا آلهتهم إلى بادية الشام، فأخذت العرب عنهم عبادة الأصنام، وأخذت المجوسية عن الفرس، واليهودية عن الذين هاجروا من بني إسرائيل هاربين من وجه الأشوريين، ثم من وجه الرومان بعد خراب الهيكل في السنة السبعين، وأخذوا النصرانية عن الرسل الذين دخلوا مبشرين بالمسيح، ثم عن أهل الشام زمن البيزنطيين، ثم عن الحبش في غاراتهم على اليمن واستقرارهم فيها.
وكانت الوثنية في القبائل أعم وأكثر انتشارا، والأصنام منصوبة في كل ناحية من نواحي الجزيرة، ولا سيما الكعبة، وتزعم الرواية العربية أن أول من دعا العرب إلى عبادة الأصنام عمرو بن لحي،
Página desconocida