296

Escritores árabes en las eras abasíes

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Géneros

وقد علمت أن أبا الفرج يحب اللذة ويتطلبها، وبنى كتابه على الغناء، والغناء يقصد به إلى اللذة والترفيه عن النفس، فغلبت ناحية العبث والمجون على كتابه، وحفل بالنوادر المسلية والمتعهرة. فتراه يعنى بفضح الشعراء، وذكر أخبارهم وأشعارهم الفاحشة، وتصوير فساد أخلاقهم. ولم يتحرج من تشهير الخلفاء وأبنائهم، ونسائهم، وذكر عشقهم واستهتارهم، وعكوفهم على اللهو والشراب والسماع.

فلهذا لا يسعنا اعتماد الأغاني من النواحي التاريخية الشاملة، ولا سيما كلامه على الإسلاميين والمولدين، فإنه قلما تناولهم إلا من ناحية العبث واللهو. ولا ينبغي الاستسلام إلى رواياته كلها دون التوقف عند بعضها في شيء من الشك والاحتياط.

إنشاؤه

لصاحب الأغاني لغة جزلة سمحة، لم يؤثر فيها أسلوب الرسائل، فهي تفيض طبعا وسلاسة، وتبرأ من كل تكلف وصنعة وتعمد للمجاز. وجملته رشيقة حلوة المساغ. فخمة طلية، بارعة التصوير، ملؤها ماء وحياة، لا ليان فيها ولا جفاف، تميل إلى القصر لبلاغتها وإيجازها وحسن اختيار ألفاظها التي تؤدي حقيقة المعنى، من غير تأبد وخشونة. ولا عيب فيها غير الإكثار من فعل القول.

وليس الأغاني كله من إنشاء صاحبه، ففيه من أقوال الرواة الذين أخذ عنهم، وفيه نقل عن كتب يذكر أسماءها، وفيه تلفيق لأقوال جمع بعضها إلى بعض؛ فلذلك اختلفت لغة إنشائه. ولو اختصر الأصبهاني في الإسناد لدفع عن قرائه كل ضجر، ولكنه أحب أن يزيد روايته ثقة فأساء إلى قرائه بالحديث المعنعن المتسرد. (7-3) منزلته

لم يحدث كتاب عند ظهوره من التأثير ما أحدثه الأغاني في حلقات الأدب؛ فقد بادر الملوك والناس إلى شرائه، وتنافسوا في اقتنائه. وكان سيف الدولة أول من اقتناه من ملوك الشرق. وذكر صاحب نفح الطيب أن الحاكم المستنصر، أحد خلفاء بني أمية بالأندلس، بعث إلى أبي الفرج بألف دينار من الذهب العين ، فبعث إليه بنسخة من الأغاني قبل أن يخرجه بالعراق. وقال أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة بن بويه: «لم يكن كتاب الأغاني يفارق عضد الدولة في سفره ولا حضره.» وذكر ابن خلكان: «أن الصاحب بن عباد كان يستصحب في أسفاره حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب، فلما وصل إليه هذا الكتاب لم يكن بعد ذلك يستصحب غيره؛ لاستغنائه به عنها.»

وبلغ الصاحب أن سيف الدولة أعطى أبا الفرج ألف دينار لما أهدى إليه نسخة من كتابه، فقال: «لقد قصر سيف الدولة، وإنه يستحق أضعافها؛ إذ كان مشحونا بالمحاسن المنتخبة، والفقر الغريبة، فهو للزاهد فكاهة، وللعالم مادة وزيادة، وللكاتب والمتأدب بضاعة وتجارة، وللبطل رجلة وشجاعة، وللمتظرف رياضة وصناعة، وللملك طيبة ولذاذة. ولقد اشتملت خزانتي على مائة ألف، وسبعة عشر ألف مجلد، ما فيها سميري غيره.»

وأقوال المتقدمين في الأغاني كثيرة، ويطول الكلام عليها، وكلها تدل على إعجاب منهم وإكبار.

ومما يزيد منزلة هذا الكتاب أن صاحبه لم يقتصر فيه على الرواية والإسناد، بل كان كثيرا ما يمحص الأقوال، وينتقدها، ويظهر صحيحها من مكذوبها، ويحمل على الرواة الذين يصطنعونها. وربما أورد الخبر على روايات مختلفة، ثم عاد إلى رأيه فرجح إحداها، أو أبدى شكه فيها، وجعلها على عهدة أصحابها.

وكتابه كان - ولا يزال - المورد العذب الذي ينهل منه كل باحث في الآداب، ولولاه لضاع أدب كثير للجاهلية وصدر الإسلام.

Página desconocida