Escritores árabes en las eras abasíes

Butrus Bustani d. 1300 AH
173

Escritores árabes en las eras abasíes

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Géneros

هجوه

لابن الرومي شهرة في الهجاء لا تتقدمها شهرة دعبل وبشار. ويفوقهما بما امتاز فيه من دقة التصوير، فإن هجاءه لا يقتصر على القذف والطعن والسخر، بل يتعداه إلى وصف أخلاق المهجو، وتصوير أشكاله حتى يبرزه مثلة شوهاء مضحكة.

وبواعث الهجاء عند الشاعر كثيرة، فمنها أنه كان محروما يستجدي فلا يعطى إلا القليل، فيغضب ويهجو من يمنعون صلتهم عنه. ومنها أنه كان يحسد ذوي النعمة الذين يتمتعون بملاذ الحياة دونه فيهجوهم. ومنها أن الناس كانوا يعلمون ضيق أخلاقه، وغرابة أطواره، فيعبثون به ويضايقونه، ويعيبون شعره وينتقدونه، فيثور ثائره ويهجوهم. ومنها أنه كان دقيق الحس ينفر من الأشياء التي لا تلائم طبعه، ولا يستاغها ذوقه، فيذمها كما في هجائه لصاحب اللحية الطويلة، والغناء القبيح. ومنها أنه كان شديد الطيرة يتوهم النحس في الأشخاص والأسماء والعاهات والعيوب، فهجا كل شيء يتطير منه. ومنها أنه كان شرها منهوما لا يصبر عن الطعام، فإذا جاء رمضان تضايق من الصوم فهجاه. ومنها أنه كان يتشيع للعلويين مع ولائه في بني العباس، فهجا العباسيين وأفحش فيهم لما رأى ما أصاب الطالبيين من التنكيل.

رثاؤه

لم يكن ابن الرومي حظيظا عند الملوك فيتخذ الرثاء آلة للتكسب؛ لذلك قلت مراثيه، وليس له منها ما يستحق الذكر إلا الذي قاله في أولاده وزوجه وأمه وأخيه، وإلا الذي قاله في بستان المغنية وكان يهواها ، وفي أبي الحسين يحيى بن عمر الطالبي؛ لأنه كان يتشيع للعلويين، فساءه أن يفتك به العباسيون وكان قد ثار بهم، فبكى عليه وهجا بني العباس وآل طاهر أعوانهم على قتله. والذي قاله في بكائه على البصرة لما دخلها الزنج سنة 257ه/870م وأحرقوها ومثلوا بأهلها، فقد راعه ما دهاها وهي منبت العلماء والأدباء، وعكاظ الإسلام، فرثاها والها وصور خرابها أبرع تصوير.

وابن الرومي شديد التفجع على الميت إذا كان عزيزا عليه، ولا غرو فإنه من طبيعته ضعيف الإرادة، قوي العاطفة، دقيق الإحساس، مضطرب العقل، فأخلق به أن يغلب عليه الجزع إذا رزئ بمن يحبه، فيتأجج بركانا عاطفيا ينفث نيرانه عن نفس يصهرها الحزن، ويضغطها التطير، ويحفزها تتابع النكبات، فتنفجر بالبكاء والأنين. وأحسن مراثيه قصيدته في ولده الأوسط واسمه محمد، وقد مات منزوفا وهو لم يزل طفلا، فهي من أفجع ما قال والد في رثاء ولد، وهي تصور جزع الشاعر أدق تصوير، وتخرج مشهدا تاما عن حياة طفله ومرضه وذبوله وموته.

وابن الرومي على تفجعه لا يرثي فقيده غير مرة. وقلما جاوزها إلى المرتين أو الثلاث شأنه في رثاء أمه وامرأته؛ مما يدل على أن الحزن لا يلح عليه طويلا، وإنما تحرقه الجمرة ساعة سقوطها، ثم لا تلبث أن تنطفئ فينسى أو يتناسى. ولعل هذا راجع إلى تقلب طباعه، واضطراب مزاجه، وسرعة تنقله من حال إلى حال، أو راجع إلى توالي المصائب عليه، فإن حرمانه وخسرانه، ثم موت أمه وأخيه، ثم موت أولاده وزوجه لا بد أن يجعل في نفسه شيئا من الاستسلام والقنوط، فيصبح وهو أليف الأرزاء والتطير، يتوقع كل يوم رزءا جديدا، فينسى الماضي لاشتغال فكره بتنظر الآتي.

غزله

كان ابن الرومي تبع جمال يجري وراءه طلبا للذة فهي عنده زينة الحياة الدنيا، ولا بهجة للحياة بدونها، فأفرغ ماء شبابه على أشواك شهواته. وما راعه إلا بارقة البياض تلوح بمفرقه، فبكى على الصبى وتلهف، وذم المشيب وهجاه. وهو لم يأسف على فراق الشباب إلا لأنه سيفارق اللذة بعده. وما كان ليحب ويعشق لولا التهالك على اللذة والاستمتاع. ومثل هذا الحب تغمره المادة، وتسيطر فيه على الروح فينحط بصاحبه إلى الدنايا، ويجعل المرأة أداة للهو والتسلية، ويهبط بها عن عرشها السامي الذي رفعه الله لتوضع عليه.

وصاحب هذا الحب لا يتعشق شخصا واحدا فيقف فؤاده على حبه، وإنما لذته في التنقل، فكلما بدا له وجه جميل افتتن به، وجد في أثره. وهيهات أن يطمئن إلى معاشرة الحرائر المحصنات، أو يكتفي بزوج أمينة وديعة يسكن إليها، ويغض طرفه عن سواها، فابن الرومي بقي مدة طويلة لا يأنس بالحياة الزوجية، ولا يتغزل إلا بالقيان والغلمان، ولا يجد اللذة إلا في مكانس الريب وحوانيت الخمارين، حتى نفدت قواه أو كادت، فتزوج، وكان زواجه في أواخر كهولته، فرزق أولادا ضعاف البنية، فلم تكتب لهم الحياة.

Página desconocida