Los métodos judiciales en la política legislativa

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
80

Los métodos judiciales en la política legislativa

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية

Editorial

مكتبة دار البيان

Número de edición

بدون طبعة وبدون تاريخ

وَرَأَيْتُ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ ﵀ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ جَوَابًا وَسُؤَالًا: هَلْ السِّيَاسَةُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ لِلْمُتَّهَمِينَ فِي الدَّعَاوَى وَغَيْرِهَا مِنْ الشَّرْعِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ الشَّرْعِ فَمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ؟ وَمَا قَدْرُ الضَّرْبِ وَمُدَّةُ الْحَبْسِ؟ فَأَجَابَ: الدَّعَاوَى الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا وُلَاةُ الْأُمُورِ - سَوَاءٌ سُمُّوا قُضَاةً، أَوْ وُلَاةً، أَوْ وُلَاةَ الْأَحْدَاثِ، أَوْ وُلَاةَ الْمَظَالِمِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ ﵎ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ، وَعَلَى كُلِّ مِنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ النَّاسِ، أَوْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ: أَنْ يَحْكُمَ بِالْعَدْلِ: فَيَحْكُمَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٤٨] . فَالدَّعَاوَى قِسْمَانِ: دَعْوَى تُهْمَةٍ، وَدَعْوَى غَيْرِ تُهْمَةٍ. فَدَعْوَى التُّهْمَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ فِعْلَ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ، يُوجِبُ عُقُوبَتُهُ، مِثْلَ قَتْلٍ، أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُدْوَانِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ. وَغَيْرُ التُّهْمَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَقْدًا: مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكُلٌّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ قَدْ يَكُونُ حَدًّا مَحْضًا، كَالشُّرْبِ وَالزِّنَا، وَقَدْ يَكُونُ حَقًّا مَحْضًا لِآدَمِيٍّ، كَالْأَمْوَالِ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِلْأَمْرَيْنِ: كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ. فَهَذَا الْقِسْمُ: إنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى - عَلَيْهِ - حُجَّةً شَرْعِيَّةً، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ. لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي أَنَّ أَحَدًا: لَا يُعْطَى بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ. وَنَصٌّ فِي أَنَّ الدَّعْوَى الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْإِعْطَاءِ: فِيهَا الْيَمِينُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ " فِي قِصَّةِ الْقَسَامَةِ: أَنَّهُ قَالَ لِمُدَّعِي الدَّمِ: «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ، وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» .

1 / 82