Herencia y Renovación: Nuestra Posición sobre la Herencia Antigua
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Géneros
سوء النية وهو تطرف في التعصب المذهبي إلى أقصى حد، يكون الباحث على وعي بذلك، ويقوم به مع سبق الإصرار والتعمد، يعبر الباحث عن المعاني القديمة بألفاظ جديدة من مذهب آخر لتحويل التراث كله من طابع إلى طابع آخر تعصبا أو هادما التراث كله يريد حاقد بيان سطحيته أو زيفه، الباحث هنا ليست لديه الشجاعة الأدبية الكافية لرفض القديم وهو موقفه الشعوري والدعوة للجديد وهو موقفه المستتر تملقا للجماهير أو خوفا من السلطة أو جريا على العادة وعلى أسلوب العصر، إن لوي التراث بطريقة تعسفية لا يفيد شيئا لأن التجديد على هذا النحو لن يكون مقروءا لا من القدماء ولا من المحدثين، ويكون عملا متحجرا لا ينبت منه لأنه مجتث الجذور ولا يزيد عن كونه هوامش حضارية ودوائر منعزلة لا أثر لها، ويكون الأثر للتراث القديم أو لتجديد التراث الذي يقوم على حسن النية، وهذه ليست فقط قيمة خلقية بل هي شرط أساسي للمعرفة وأساس للعلم، ويخفف من هذا الخطر أن الباحث يبدأ بالتراث كقيمة وبالتجديد كقيمة، ومن ثم فهو لا يدافع عن قيمة ضد قيمة أخرى ولا يبقي على التراث باسم التجديد أو يبقي على التجديد باسم التراث، ولكنه يقوم بتجديد التراث أي ضم قيمة إلى قيمة وإلا وقعنا فيما نحن فيه الآن من محاولات للعقلنة من الخارج، والتي تسقط على التراث مقاييس من خارجه.
وهناك عدة اشتباهات أخرى تحوم حول منطق التجديد اللغوي وهي مخاطر محايدة يمكن تفاديها لو استطاع الباحث المجدد أن يحكم منطقه في التجديد اللغوي، أي أنها اشتباهات تتبدد بقدرة الباحث وأصالته ووعيه واستعداده وثقافته ونوعيته، وأهم هذه الاشتباهات هي: (1)
الشذوذ اللغوي؛ وذلك لأن الألفاظ الجديدة قد ينتابها بعض الاستهجان إن لم يحترس الباحث الجديد في اختيار الألفاظ الجديدة الشائعة والمتداولة، قد يكون اللفظ غريبا غير مألوف، ولكن مما يقلل من هذه الغرابة اللغوية تحاشي النقل الصوتي للألفاظ من اللغات الأجنبية إلا ما هو شائع منها ومتداول، وما تحول منها إلى ألفاظ معربة شائعة في الاستعمال؛ وذلك لأن العثور على ألفاظ جديدة إنما يتم بصورة تلقائية دون تعسف أو تكلف، وقد يوفق الباحث أو يتعثر، وقد نشأت الألفاظ التقليدية ذاتها نشأة تلقائية من الألفاظ الشائعة والمتداولة في البيئة الثقافية التقليدية، فإذا كان عيب اللفظ التقليدي هو عدم قدرته على التعبير عن المعنى والإشارة إلى الموضوع المراد، فإن عيب اللفظ المستهجن هو عدم استساغته وصعوبة تحويله إلى لغة عادية ضمن التراث اللغوي الطويل، وأهم شيء في اللفظ الجديد هو طواعيته للفكر وسهولته في الاستعمال وتعبيره عن المضمون النفسي للناس وللتراث. (2)
الغموض وعدم الدقة؛ وذلك لأن التجديد اللغوي يتطلب معرفة تامة بالألفاظ الجديدة ومعانيها والموضوعات التي تشير إليها، وذلك لا يتأتى لكثير من الباحثين لما يتطلبه من اطلاع ومعرفة تامة بثقافتين أو بأكثر، وهذا هو سبب الغموض في التجديد اللغوي الذي يرجع أساسا إلى غموض الباحث نفسه، ويمكن الإقلال من هذا الاشتباه التام عن طريق التحليل المستمر للألفاظ، والعثور على منطق محكم للانتقال من لفظ إلى لفظ أو من معنى إلى لفظ أو من شيء إلى لفظ، كما يخفف من هذا الغموض حرية الباحث في عدم التقيد بأي معنى اصطلاحي للفظ واستعماله بالمعنى الشائع الذي يتبادر لذهن السامع لأول مرة، وإعطاء الألفاظ معاني العصر وهي المعاني العرفية، وهذا ما يحدث أيضا في تطور الحضارة وتغير معنى الألفاظ طبقا للعصور وتبعا لاستعمالات المفكرين. (3)
الأثر الخارجي؛ وذلك لأنه كثيرا ما تثير الألفاظ الجديدة شبهة التأثر الخارجي، فكثير من الألفاظ الشائعة والمتداولة في البيئة الثقافية الحالية قد يكون مصدرها بيئات ثقافية أخرى خاصة البيئة الأوروبية، ولكن نظرا لتداول هذه الألفاظ وشيوعها فقد أصبحت جزءا من الثقافة الوطنية المعاصرة، بل وتراثا إنسانيا عاما لسعة انتشارها، فألفاظ التقدم، والإنسان، والزمان، والفعل، والجماهير، والسلوك، والصراع، والطبقة، والتاريخ، والتحرر، والشعب، والعالم الثالث ... إلخ ليست خاصة ببيئة ثقافية معينة أو بمذهب فكري أو سياسي معين، بل هي ألفاظ تعبر عن ثقافة العصر ومطالبه، كما تعبر عن روح العصر، بالإضافة إلى أنه نظرا لوجود الباحث على حافة عدة بيئات ثقافية، وعلى وعي تام بالمستويات الثلاثة لكل بيئة: اللفظ والمعنى والشيء، فإن التأثر لا يتعدى الاستعارة اللفظية، وهي ليست استعارة إرادية بل تطور طبيعي عندما يسقط اللفظ القديم ويحل اللفظ الجديد مكانه؛ لأنه أكثر قدرة على التعبير عن المعنى وإيصاله،
12
وإذا كانت هناك بعض الإشارات إلى تيارات العصر أو ما يظن أنه ثقافة أجنبية أو حضارة أخرى، فهذا يحدث كموقف طبيعي لباحث ينتمي إلى حضارته وفي عصر تغزوها حضارات أخرى، كانت حضاراتنا القديمة مفتوحة أيضا على الحضارات الأخرى، وبعد عصر الترجمة استعملت لغة الثقافات المعاصرة ومذاهبها الفكرية كوسائل للتعبير، وهذا ما يحدث الآن من جديد بعد عصر الترجمة الثاني والغزو الثقافي الواقع علينا الآن منذ قرنين من الزمان، فسواء أراد الباحث أم لم يرد فإنه يستعمل لغة الثقافة المعاصرة كوسيلة للتعبير بعد أن أصبحت شائعة ومتداولة وأصبحت جزءا من ثقافة العصر يعلمها الجميع، لقد حدث نفس الشيء في الفلسفة الإسلامية قديما عندما كان فلاسفة المسلمين، الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم، ذوي ثقافتين إسلامية ويونانية، وعبروا عن القديم بلغة الجديد، وقاموا بعملية التراث والتجديد التي تتم الآن مرة ثانية مع ثقافة العصر وهي الثقافة الأوروبية.
13
ولكن بالرغم من كل المخاطر والاشتباهات التي قد تحوط بمنطق التجديد اللغوي، فإن له نتائج إيجابية حاسمة، أهمها: (1)
التجديد، فبالرغم من أن حركات التجديد لم تتوقف سواء في الماضي أو في العصر الحديث إلا أنها كلها ما زالت نسبية ولم تؤد إلى نتائج حاسمة، سواء على المستوى النظري أو في التطبيق العملي، واللغة من أسباب هذا الإخفاق؛ وذلك لأن لغة المجدد ما زالت إلهية، دينية، تاريخية، قانونية، مجردة، وما زالت اللغة التقليدية تستعمل للتعبير عن المعاني الضمنية مما يؤدي إلى نقص في التعبير وفي الإيصال، لن تتحول حركات التجديد المعاصرة إلى حركات جذرية إلا بتجديد اللغة، ولن يتحول الإصلاح إلى ثورة إلا بالتخلي عن اللغة التقليدية، والتعبير عن المضمون الموروث سواء في المعنى أو في الشيء المشار إليه بلغة جديدة تتوافر فيها شروط العصر، وعلى رأسها لغة العلم التي يمكن للآخرين التعامل بها، وتحقيق ما نصبو إليه جميعا من قيام حركات للتجديد، كلية شاملة، جذرية أصلية، تكوينية جادة، لا تهدف إلا لنقل حضارتنا من طور قديم إلى طور جديد. (2)
Página desconocida