Herencia y Renovación: Nuestra Posición sobre la Herencia Antigua
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Géneros
نظرا لاتصالنا بالحضارة الغربية، فإن تصورنا للإيمان والإلحاد يخضع لما يفد علينا من تصورات المجتمع الرأسمالي للدين في حين أن حركات الإلحاد في الفكر الغربي أقرب إلى جوهر الإيمان، ولكننا نظرا لتقليدنا للغرب، وتبعيتنا الثقافية له، نردد مفاهيمه ونظرياته، ونفصلها عن محليتها وظروفها ومادتها العلمية، ونعممها على غيرها، ونحن ضمن هذا الغير، فنضع أنفسنا تحت غطائه النظري في حين أن واقعنا مخالف، ومادتنا العلمية مغايرة، وظرفنا التاريخي مختلف، فما اعتبروه إيمانا هو في الحقيقة بالنسبة لنا إلحاد، وما اعتبره إلحادا هو بالنسبة لنا إيمان.
18 (ز)
الاتهام بالإلحاد هو في نهاية الأمر دفاع السلطة الدينية والسلطة السياسية عن أوضاعهما الخاصة، ومعارضة كل منهما لأي تغير جذري ينشأ من الثقافة الوطنية، يبغي تغيير الواقع العريض الذي تعيش عليه الأغلبية، فالسلطة سياسية أم دينية تعلم أن الجماهير متدينة، ومن ثم تقوم بتملقها ونفاقها واتهام كل من يريد الدفاع عن مصالحها بالإلحاد حتى تنقلب الجماهير عليه وتظهر السلطة على أنها المدافعة عن مصالحها! وفي تراثنا القديم شواهد على ذلك، فكل دعوة إلى الطبيعة المستقلة، والعقل المدرك، والفعل الحر، ومسئولية الإنسان، والعدل الاجتماعي، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كانت تتهم أيضا بالإلحاد والكفر، و«التراث والتجديد» هو محاولة لإعادة الاختيار في فكرنا القديم. (2)
فإن قيل: إن «التراث والتجديد» سيؤدي حتما إلى حركة علمانية، وفي العلمانية قضاء على تراثنا القديم، وموروثاتنا الروحية، وآثارنا الدينية، وقد نشأت العلمانية في الغرب استجابة لدعوى طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية، وقسمة الحياة إلى قسمين، واستغلال المؤسسات الدينية للجماهير، وتواطؤها مع السلطة، وحفاظها على الأنظمة القائمة، نشأت العلمانية استردادا للإنسان لحريته في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفضه لكل أشكال الوصاية عليه، ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة العقل والضمير، العلمانية إذن رجوع إلى المضمون دون الشكل وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق، وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته، وإلى الإنسان دون غيره، العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور، وما شأننا بالكهنوت، والعلمانية ما هي إلا رفض له؟ العلمانية في تراثنا وواقعنا هو الأساس واتهامها باللادينية تبعية لفكر غريب، وتراث مغاير، وحضارة أخرى. (3)
فإن قيل: إن «التراث والتجديد» يتحدث عن التحليل الطبقي للمجتمع، ويرفض سلطة الطبقة وفكر الطبقة، كما يهدف إلى تغيير الواقع العريض، والدفاع عن مصالح الجماهير، وهي الطبقة العاملة، وهذه هي «الماركسية» بعينها، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فما زالت مأساتنا في الاتصال بالتراث الغربي هو أننا نأخذ تياراته واتجاهاته ونفصلها عن واقعها ثم نقذف بها خارج الحضارة الغربية إلى الحضارات الأخرى ونعممها وكأنها نتائج العلم التي لا ترد، الماركسية تحليل صائب للمجتمع الأوروبي الرأسمالي في القرن التاسع عشر، وحركة تغيير جذري له كذلك، ففكر الطبقة وثقافتها أمر واقع بيننا نلمسه، وسلطة الطبقة في مجتمعنا أمر نعاني منه كل يوم، ومصلحة الطبقة هو الموجه لسلوك السلطة، فهذه وقائع بديهية من واقعنا المعاصر لا تحتاج إلى نقل حضاري أو إلى صفات وأسماء مستعارة، ونخطئ أشد الخطأ في أبسط القواعد العلمية عندما نظن أن العلم ينقل ولا ينشأ، وأن العالم يستعير ولا يحلل، والمخطئ في ذلك إما إنسان تعفن في القديم ولا مخرج له منه أو جهل الحضارات الأخرى ولم يعرفها إلا بالدعاية أو انفصل عن واقعه ولم يعلم مكوناته، واتهام «الماركسية» مثل اتهام «الفينومينولوجية» ما دامت الظواهر يتم تحليلها على مستوى الشعور وكأن كل ما يحدث في فكرنا القومي لاحق بفكر غيره، وأننا سنكون باستمرار مهمشين على نصوص غيرنا ولسنا مؤلفين لنصوص. (4)
فإن قيل: إن «التراث والتجديد » يقضي على موضوعية الأصول وعلى استقلالها عن الزمان والمكان، والعقائد دائمة ثابتة لا تتغير، وتصور «الله» لا يتأثر ولا يتغير بتغير الظروف الاجتماعية، وهذا التخوف أيضا لا أساس له لأن «التراث والتجديد» عملية حضارية تلقائية مهمتها إعادة التفسير، ولا تتحدث عن الأشياء في ذاتها مثل «الله»، لا يخرج «التراث والتجديد» عن التصورات العقلية المحتملة للموضوعات، أما الموضوعات نفسها فموضوعه بين قوسين، التفسير عملية تغيير المعاني طبقا للمعنيات، وتغيير الدلالات بتغير المدلولات، وهي عملية ذاتية خالصة لا تهدف إلى إصدار أحكام على الوقائع، بل هو عمل أيديولوجي خالص لا يخرج عن نطاق الأفكار، هي عملية إحداث تغيير في تصورات العالم وتغيير مواقف واتجاهات إنسانية، «التراث والتجديد» يتعامل مع العالم الإنساني وحده، بل إنه يمكن اتهام «التراث والتجديد» بأنه عملية ذاتية خالصة لا تخرج عن نطاق النظرة الإنسانية، ولكن الاتهام مردود لأن إحداث التغيير في النظرة الإنسانية هو بداية إحداث التغير في العالم.
إن قضية «التراث والتجديد» قضية عامة لا تخص حضارة بعينها، وإن كانت هنا مطبقة على تراثنا القديم، وقد حدث ذلك في التراث الأوروبي في كل عصر خاصة في العصر الحديث، كما تحدث في كل جيل تقريبا عندما يحاول إيجاد الأساس الشعوري للظواهر، وفي التراث الأوروبي المعاصر نشأت نزعات التجديد باكتشاف الذاتية، واكتشاف الأساس الذاتي للظواهر الدينية الموضوعية، وتتعرض الآن كل المجتمعات النامية لهذه العملية، ولا يعني أن هناك نموذجا واحدا لها بل تقوم كل حضارة بها طبقا لما لديها من تراث وما تبتغيه من تجديد، وما توجد فيه من واقع تعيش عليه، وهي الآن مسئولية جيلنا.
ثالثا: أزمة المناهج في الدراسات الإسلامية
«التراث والتجديد» أيضا تعبير عن أزمة أخرى، وهي أزمة الدراسات الإسلامية في الجامعات والمعاهد العليا، فإذا كانت أزمة التغيير أزمة الثورة في واقعنا، فإن أزمة الدراسات الإسلامية هي أزمة البحث العلمي؛ لذلك كان «التراث والتجديد» تعبيرا عن أزمتين: أزمة التغيير الثوري، وأزمة البحث العلمي.
وترجع أزمة الدراسات الإسلامية إلى انفصال في شخصية الباحث بين المسلم والباحث، فهو مسلم من ناحية بمعنى أنه مستسلم للواقع الذي يعيش فيه، وهو باحث من ناحية أخرى يدرس التراث بنظرة محايدة، وكأنه يدرس ظواهر تاريخية خالصة لا شأن له بها في حين أن التراث، كما عرضنا، قضية شخصية للباحث لأنه ينتمي إليه فكرا وحضارة ولغة ومصدرا ومصيرا، ويحدث هذا الانفصام إما عن تصور للإسلام على أنه مجموعة من العقائد لا شأن لها بالبحث العملي مما يجعل الباحث العلمي يتبنى أي منهج علمي من الخارج، أو من عدم إحساس بالإسلام كلية واعتبار أنه هو الباحث العلمي وأن الإسلام لا يعطيه شيئا، وقد ينشأ ذلك من التغرب (انحراف الشعور نحو الغرب) وتقليد مناهجه العلمية التي نشأت كرد فعل على معطاها الديني الخالص وهو المسيحية، أو من حالة الركود العامة في التصور الإسلامي للحياة وفي الدراسات الإسلامية التي لم تستطع أن تعطي الباحث مقابلا للمناهج الغربية، ينشأ هذا الموقف الثالث في الانفصال عن تراثنا القديم وتبعيتنا للتراث الغربي، وتكون النتيجة أن يتخرج مئات الشباب وهم مشتتون حانقون غاضبون لم تحل مشاكلهم في البحث عن منهج يمكنهم بواسطته حل جميع مشاكلهم الوطنية والثقافية والعلمية، ويتخرجون والقديم ما زال طلاسم لم تنفك عقده، والجديد ما زال معروضا كرقائق من الفطائر، كل منهم يسرع بشفقة يعلن عن وجوده من خلالها، وتشتد الحيرة، ويزداد التخبط، وتنتهي الثقافة، وينتهي بهم الحال إما إلى الرجوع إلى الماضي بعبله، والتزمت، والتشدد، والتعصب، والتصوف أو الذهاب إلى الجديد بعبله دون فهم منه له، ويكتفي بترديده دون مراعاة لاختلاف البيئة والظروف واللحظات التاريخية، ويتنصل الإنسان من ماضيه خاصة إذا لم يشعر بأنه جزء منه لاختلاف دينه مع تراثه، وكثيرا ما يؤدي التغرب الثقافي إلى الهجرة الفعلية - بعد هجرة الشعور - أو يظل مشتتا بينهما دون القدرة على أخذ موقف حضاري له، فهو ملفق مرة وخالط مرة، ويظل خائفا بين الاثنين.
Página desconocida