El Legado Clásico: Una Breve Introducción
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
عرف هذا الإفريز طريقه إلى المتحف البريطاني تحديدا بسبب ذلك النبيل الإنجليزي وأصدقائه، الذين مررنا بصورتهم في طريقنا إلى هنا. في أوائل القرن التاسع عشر اكتشفت بقايا المعبد الموجود في باساي على يد مجموعة من الأثريين والمستكشفين من إنجلترا وألمانيا والدنمارك. وفي غضون أشهر استطاعوا جمع ثروة صغيرة، وذلك عندما باعوا ما وجدوا من منحوتات بالمزاد للحكومة البريطانية. وقد انتهى المطاف بعدد قليل من الشظايا في كوبنهاجن، وهناك عدد قليل منها لا يزال في اليونان، ولكن أغلب تلك المنحوتات أعيد إلى إنجلترا.
مع ذلك، هناك لغز تحكيه لنا لوحة المعلومات؛ فهذه الحجرة من المتحف «بنيت لتكون ملائمة»؛ ولكن لأي شيء ملائمة؟ إن ما نراه اليوم من ثلاثة وعشرين لوحا وضعت بدقة طرفا لطرف وجنبا إلى جنب قد عثر عليها واحدا تلو الآخر متناثرة على نطاق واسع في أنقاض المعبد، في ظل فوضى عارمة؛ ولم يكن أحد يدري على وجه اليقين كيف تتناسق معا لتكون بانوراما حجرية ضخمة، ولم يكن أحد يدري ما الصورة التي من المفترض أن تكونها. لو ألقيت نظرة فاحصة على مخطط الرسومات الموجودة على ألواح الإفريز في نهاية هذا الفصل، فسترى «أحد» حلول مشكلة الشكل الأصلي. إن ما نراه في حجرة باساي بالمتحف لا يعدو كونه تخمينا صدر من أحدهم للصورة التي كان عليها الشكل الأصلي في الماضي.
كيف كان الشكل الأصلي في الماضي؟ لا تشغلنك أحجية تركيب الأجزاء معا؛ فقد نبهتنا لوحتا المعلومات أن تلك المنحوتات، في مكانها القديم، لم تكن تبدو قط كما تبدو الآن؛ فحين كانت في معبدها، كانت تلك المنحوتات على ارتفاع سبعة أمتار فوق جدار الحجرة الداخلية من المعبد؛ حيث تضعف الإضاءة، ولعله كان من الصعب أن يراها الناظر (دعونا نتخيل وجود الكثير من الغبار وخيوط العنكبوت)؛ فلم تكن في مستوى النظر، ولم تكن مسلطة عليها الأضواء للفت أنظارنا إليها كما هو الحال الآن. من البدهي بالطبع أن أقول إننا في متحف، مهمته تقديم هذه «الأعمال الفنية» لنراها (بهدف الإعجاب أو الدراسة)، نظيفة ومرتبة ومشروحة، ومن البدهي أن أقول إن معبد باساي لم يكن متحفا، بل كان مزارا دينيا، وإن هذه المنحوتات كانت جزءا من مكان مقدس عند الإغريق، و(كما سنرى) لم يكن يأتيه الزوار كي يبحثوا عن بطاقات تسمية وتفسيرات لما يرونه فيه. (فالقوم كانوا على علم بقصص صراع هرقل مع الأمازونيات، وصراع الإغريق ضد القناطير، مما كانت تحكيه لهم جداتهم.) بعبارة أخرى، هناك فجوة كبيرة بين السياق التاريخي لتلك المنحوتات والعرض الحديث لها.
إن المتاحف تعمل دائما في ظل وجود تلك الفجوة، ولقد تعلمنا نحن - زوار المتحف - أن نعتبر ذلك أمرا مفروغا منه؛ فنحن لا نستغرب إن رأينا، مثلا، رأس حربة ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ (لعلها يوما ما كانت قد اخترقت جمجمة أحد المحاربين تعسي الحظ واستقرت فيها مودية بحياته) توضع أمامنا في خزانة عرض أنيقة؛ بل إننا لا نتصور أن أيا من تلك المعروضات اللامعة في المتحف لآثار من المطبخ الروماني أعيد بناؤها - مع مكوناتها الكاملة وتماثيل الشمع المبهجة التي تصور الطهاة من الرقيق - تحمل سمات ذلك الواقع (الأشد قتامة) الذي كان يسود العصر الروماني، أو سمات أي طهاة أو خدم كانوا يعيشون في ذلك العصر. هذه هي طريقة عرض المتاحف لمعروضاتها. فنحن لا ننخدع ونصدق أن تلك المعروضات بالفعل تمثل الماضي.
في الوقت نفسه نجد أن الفجوة بين المتحف والماضي، بيننا وبين من عاشوا في تلك الأزمان، تثير عددا من الأسئلة. في حالة باساي، قد نكون على يقين أن المنحوتات كانت في الأصل جزءا من حرم ديني، وليست جزءا من متحف. ولكن ما مفهوم لفظة «الدين» هنا؟ وما تصورنا لذلك «الدين» الذي كان يمارس في المعابد الإغريقية؟ ألم تكن الأغراض «الدينية» أيضا «أعمالا فنية» في أعين الإغريق، كما هي في أعيننا؟ إن هذا المعبد (كما سنكتشف لاحقا) كان موجودا في مكان ناء؛ في الجزء الخلفي لأحد الجبال. ترى ماذا كان الغرض من إنشاء معبد هناك؟ ألم يسبق لأحد أن أتى إليه يوما ليزوره ويتجول في أرجائه باعتباره سائحا لا متعبدا ومتنسكا؟ ألم يرغب يوما أحد الزوار في ذلك العهد البعيد أن يشرح له أحدهم تلك المشاهد التي ترتفع سبعة أمتار وبالكاد ترى؟ وما الفرق بين زيارة هؤلاء لذلك المعبد وزيارتنا نحن للمتحف؟ بعبارة أخرى، ما مدى تأكدنا من الفجوة التي تفصل بيننا وبينهم، ومن الأشياء التي نشترك فيها مع زوار ذلك المعبد في القرن الخامس قبل الميلاد (من حجاج وسياح ومصلين ...) وتلك التي تفرق بيننا وبينهم؟
كما أن هناك تساؤلات حول ما يحكيه لنا التاريخ من أحداث وقعت خلال تلك الحقبة التي تفصلنا عنهم. إن تلك المنحوتات ليست مجرد أغراض ترجع إلى قصة تربط فقط بيننا وبين من بنوا ذلك المعبد أول مرة واستخدموه. ما الذي كانت تعنيه باساي لسكان اليونان خلال العهد الروماني، بعد مضي 300 سنة أو نحو ذلك على تشييد ذلك المعبد، عندما أتت جحافل روما القديمة بجبروتها لتضم بلاد اليونان إلى أكبر إمبراطورية عرفها العالم؟ هل أثر ذلك الغزو الروماني على من كانوا يؤمون ذلك المعبد، وعلى توقعاتهم؟ وماذا عن زمرة المستكشفين الجريئين الذين تحدوا لصوص اليونان (وكانت حينها تحت حكم الأتراك العثمانيين) لإعادة اكتشاف المعبد واستعادة ما به من منحوتات ليعودوا بها إلى إنجلترا؟ وهل كان ذلك فعلا يدل على الإمبريالية، أو الاستغلال الذي نخجل من ذكره الآن؟ وهل كانت تلك الزمرة سياحا كحالنا، أم لم تكن كذلك؟ وما المكانة التي كانت تمثلها باساي في نظرة هؤلاء للعالم القديم؟ وهل هي رؤية تجمع بيننا وبينهم، قائمة (على الأقل جزئيا) على الشغف المشترك بما كان لدى الإغريق والرومان من أدب وفن وفلسفة؟
نحن وهم: التراث الكلاسيكي
إن دراسة التراث الكلاسيكي هي ما يشغل تلك الفجوة التي تفصل بيننا وبين عالم الإغريق والرومان. والأسئلة التي يثيرها هذا الكتاب هي الأسئلة ذاتها التي تثيرها المسافة التي تفصلنا عن «عالمهم»، وفي نفس الوقت يثيرها قربنا منهم، وتثيرها معرفتنا بعالمهم، وذلك في متاحفنا، في أدبنا، في لغاتنا، في ثقافتنا، وفي طرق تفكيرنا. إن هدف دراسة التراث الكلاسيكي ليس فقط «اكتشاف» العالم القديم أو «كشف النقاب» عنه (رغم أن هذا أحد أهداف هذه الدراسة، كما تبين إعادة اكتشاف باساي، أو التنقيب عن أبعد قواعد الإمبراطورية الرومانية على الحدود الاسكتلندية)؛ فهدف هذه الدراسة أيضا هو تحديد علاقتنا بذلك العالم ومناقشة تلك العلاقة. سوف يستكشف هذا الكتاب تلك العلاقة، وتاريخها، بدءا من مشهد مألوف، ولكنه - في الوقت نفسه، كما سنرى - قد يصبح محيرا وغريبا؛ أجزاء متفرقة من معبد إغريقي معروضة في قلب لندن في العصر الحديث. إن كلمة متحف بالإنجليزية
museum ، هي في الأصل كلمة لاتينية تعني «معبد ربات الفنون»؛ فمن أي وجه يعد المتحف الحديث هو المكان المناسب للحفاظ على كنوز من معبد من العالم القديم؟ هل «يبدو» المتحف مناسبا لهذا الدور وحسب؟
إن القضايا التي أثارتها باساي تقدم نموذجا لفهم التراث الكلاسيكي بأوسع معانيه. وبطبيعة الحال، فإن التراث الكلاسيكي يتجاوز ما يخص الإغريق والرومان من بقايا مادية، وهندسة معمارية، ونحت، وفخار، ولوحات ورسومات. فهو أيضا معني (من بين أمور أخرى شتى) بما كان لديهم من أشعار ومسرحيات وفلسفة وعلوم، وتاريخ كتب في العالم القديم، ولا يزال موضع قراءة ومناقشة باعتباره جزءا من ثقافتنا. ولكن هنا أيضا نجد قضايا مماثلة على المحك؛ فنجد أسئلة تثار حول الكيفية التي ينبغي أن نقرأ بها أدبا عمره يزيد على ألفي عام كتب في مجتمع بعيد كل البعد ومختلف كل الاختلاف عن مجتمعنا.
Página desconocida