El Legado Clásico: Una Breve Introducción
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
5-2 )، والسلاسل والأغلال التي اكتشفت في المزارع الإيطالية في عصر الدولة الرومانية، والأشكال الصغيرة المنحوتة على القدور اليونانية لأشخاص ذوي رءوس حليقة، منشغلين بتقديم النبيذ لسادتهم من المواطنين المرفهين. كما أن المسألة تتبدى جلية من خلال الافتراضات التي تملأ الأدب اليوناني والروماني. فالكتاب الرومان، على سبيل المثال، يشيرون عادة على نحو عابر إلى القاعدة القانونية التي تمنع العبيد من تقديم الشهادة في المحاكم، ما لم يكن هذا قد حدث تحت التعذيب. فالأمر لا يقتصر على أنه يمكن السماح بتعذيبهم، وإنما لا تكون الشهادة التي يدلون بها قانونية إلا إذا كانوا واقعين تحت تعذيب. وعلى حد علمنا، لم يجد أي روماني شيئا مستغربا في هذا الأمر على الإطلاق.
شكل 5-2: طوق لعبد روماني وجد حول رقبة هيكل عظمي، ويحمل رسالة تقول: «إذا ألقي القبض علي فأعيدوني إلى أبرونيانوس، الوزير في البلاط الإمبراطوري، في جولدن نابكين على تل الأفنتين؛ لأنني عبد هارب.» (في الصورة يمكننا أن نرى العنوان فقط ...
AD MAPPA AUREA IN ABENTIN ...)
لكن قد يكون تحديد مسألة الرق أمرا أكثر صعوبة مما قد توحي به هذه الأمثلة؛ فآثار العبيد لا يسهل دوما التعرف عليها. وإذا فكرنا في العلامات التي تركها البناءون على أحجار البناء في معبد باساي، فكيف يمكننا فعليا أن نعرف أي يد نقشتها؟ كان من الممكن بالتأكيد أن تكون يد أحد العبيد، أو يد المشرف على زمرة من العبيد أحضروا إلى الموقع (من أين؟) من أجل عملية البناء العظيمة. لكن كان من الممكن بالمثل أن تكون يد أحد الحرفيين الأحرار، الذي هو جزء من قوة عاملة ماهرة من المواطنين، يستخدم العبيد للقيام بالأعمال الشاقة. ببساطة لا يوجد سبيل يمكننا من معرفة حالة الأشخاص الذين كانوا في موقع العمل هناك.
لا ينتمي العبيد لصنف واحد ثابت؛ فالعبيد من مختلف الأنواع يأتون من مصادر عدة متباينة: فمنهم أسرى الحرب، والمزارعون الواقعون في الدين، وأبناء الإماء الذين تربوا في منازل أسيادهم، والمعلمون المثقفون، والعمال الأميون، وغيرهم الكثير. وليس من الضروري أن يكون العبد عبدا طوال حياته؛ فهناك سبل قد تؤدي بالمرء إلى الخروج من حالة العبودية، أو الدخول فيها. وفي روما تحديدا منح ملايين العبيد حريتهم بعد قضاء فترة معينة من الخدمة كعبيد. وملايين المواطنين الرومان كانوا الأحفاد المباشرين لعبيد؛ فالشاعر الروماني هوراس، على سبيل المثال، الذي رأيناه بالفعل يتدبر الدين الذي تدين به روما لليونان يخبرنا من واقع خبرته ما يكون عليه الحال أن يكون المرء ابنا لعبد أعتق من ربقة الرق.
عثر على قطعة صغيرة من البرونز في موقع مقدس آخر في باساي، وهذه القطعة تصور بوضوح مشكلة عدم القدرة على رؤية مسألة الرق التي تحدثنا عنها. منقوش على قطعة المعدن هذه سجل لإعتاق ثلاثة عبيد من طرف سيدهم، كلينيس، الذي فرض غرامة (تدفع إلى الإله «أبوللو في باساي» وإلهين آخرين محليين) على أي شخص «يمسهم»؛ بمعنى أي شخص لا يحترم وضعهم الجديد. من ناحية، إنه لأمر مذهل أن نجد هنا، في ذلك الموقع الجبلي النائي، دليلا مباشرا على وجود الرق، والإله أبوللو في معبده الوحيد هذا مرتبط ارتباطا مباشرا بمنظومة الرق، لكن من ناحية أخرى، تلفت هذه الوثيقة أنظار العامة إلى هؤلاء العبيد، وتجذب انتباهنا إليهم، فقط عندما انتهت حالة عبوديتهم. أما حياتهم «كعبيد» فمستترة تماما عنا. ولم نعرف بشأنهم إلا في اللحظة التي دخلوا فيها دنيا الحرية.
طالما ظلت الكيفية التي ينبغي بها الحكم على منظومة الرق إحدى القضايا المحورية في دراسة التراث الكلاسيكي. ما الفارق الذي يحدثه الأمر بالنسبة لفهمنا للعالم الكلاسيكي؟ وكيف يؤثر على إعجابنا (مثلا) بالديمقراطية الأثينية أن ندرك أنها ديمقراطية قائمة على «امتلاك العبيد»، وأن نرى أنه ما كانت لتصير ديمقراطية من الأساس لولا وجود ذلك العدد الكبير من العبيد؟ إلى أي مدى علينا أن نأسى لهذا الوضع، أو لأي من أشكال القسوة الأخرى التي مورست في العالم الكلاسيكي القديم؟ هل كان حال العبد الأثيني أسوأ من حال المرأة الأثينية أم العكس؟ هل من الإنصاف أن نحكم على الإغريق والرومان وفق معاييرنا الأخلاقية المعاصرة؟ أم هل من المستحيل ألا نفعل ذلك؟
نوعية الحياة
إن دراسة التراث الكلاسيكي معنية بكشف التعقيد الذي يكتنف مثل هذه الأحكام، علاوة على التفاصيل المعقدة للحياة القديمة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي كان العبيد جزءا منها. إنها لخطوة أولى وحسب أن نكون قادرين على أن نقول (بغض النظر عمن نقش بالفعل علامات البنائين) إن عملية بناء معبد باساي لا بد وأنها اشتملت - على أقل تقدير - على عدد كبير من العبيد، في استخراج الأحجار من المحاجر ونقلها بالعربات والدواب وحملها. وإنها لخطوة أولى وحسب أن نعرف هذا الأثر الشهير للحضارة الكلاسيكية بوصفه نتاجا للرق. فنحن أيضا نحتاج إلى أن نفكر بشكل أوسع في كل الظروف العديدة التي جعلت من بناء معبد باساي أمرا ممكنا، أن نفكر في نوعية الثروة التي وقفت خلف تمويله، وطبيعة المجتمع ككل (بدءا من العبيد ثم المزارعين ووصولا إلى الطبقة الأرستقراطية) الذي دعم عملية البناء وأحاط بها.
إجابة مثل هذه الأسئلة تأتي في طليعة أهداف دراسة الآثار الكلاسيكية في وقتنا المعاصر. إن أغلب الأثريين لم يعودوا يهتمون بالتنقيب عن الآثار الكلاسيكية الشهيرة واكتشافها، وبكنوز الفن القديم التي قد يعثرون عليها، فهم لم يعودوا يبحثون عن مباني إكتينوس أو منحوتات فيدياس، بل تحول اهتمامهم بدلا من ذلك إلى «أساس» الثقافة الكلاسيكية؛ إلى حياة المزارعين في الريف، وإلى الأنماط العامة للاستيطان البشري في الطبيعة (القرى الصغيرة والمزارع المنعزلة والأسواق الريفية)، وإلى المحاصيل التي زرعها هؤلاء المزارعون، وإلى الحيوانات التي ربوها، وإلى الطعام الذي كانوا يتناولونه.
Página desconocida