من محكم ذلك المتشابه، حين اشتغل عما يعنيه من حال نفسه، بما لا يعنيه من أمر ربه، وكان كالمتشاغل بالنظر في زي الملك وتنظيره بزي نفسه، عن مراقبة ما يلزمه من تفهم حدوده، وتذلله لحرمته.
وجوامع منزل هذا الحرف في رتبتين: مبهمة، ومفصلة.
أما انبهامه فلوقوف العلم به على تعريف الله بغير واسطة من وسائط النفس من فكر ولا استدلال، وليتدرب المخاطب، بتوقفه عن المبهم، على توقفه عن مفصله.
ومبهمه هو جوامع الحروف المنزلة في أوائل السور التسعة والعشرين من سوره، وبه افتتح الترتيب في القرآن، ليلقى الخلق بادئ أمر الله بالعجز والوقوف والاستسلام، إلى أن يمن الله بعلمه بفتح من لدنه، ولذلك لم يكن في تنزيله في هذه الرتبة ريب لمن علمه الله كنهه، من حيث لم يكن للنفس مدخل في علمه، وذلك قوله تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لمن علمه الله إياه ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ وقوفا عن محاولة علم ما ليس في وسع الخلق علمه، حتى تلحقه العناية من ربه، فيعلمه مالم يكن يعلم.
وأما الرتبة الثانية فمتشابه الخطاب المفصل، المشتمل على إخبار الله عن نفسه وتنزلات أمره، ورتب إقامات خلقه بإبداع كلمته، وتصيير حكمته، وباطن ملكوته، وعزيز جبروته، وأحوال أيامه.
وأول ذلك في ترتيب القرآن إخباره عن استوائه في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى
1 / 82