تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ﴾. ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾. أعلمهم بما يخاف عاقبته في الآخرة، وإن كان قد اتخذوا في الدنيا مودة بأوثانهم، وقال: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ الآية، فابتدأ، تعالى ترتيل الأمة بإصلاح المعاد الأهم، لأن عليه يصلح أمر الدنيا: "من اشتغل بآخرته كفاه الله أمر دنياه" وبدأ منها بحرف الزجر والنهي، وهو المبدوء به في الحديث، وهو ما رواه ابن وهب من طريق ابن مسعود، عن رسول الله، ﷺ، قال: "كان الكتاب الأول نزل من باب واحد، على وجه واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به، كل من عند ربنا" وفي حديث آخر، من طريق ابن عمر: "أن الكتب كانت تنزل من باب واحد، وأن هذا القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف" وردد النبي، ﷺ، لفظ الزجر بلفظ النهي، لأن المقصود منهما واحد، وهو الردع عما يضر في المعاد، إلا أن الردع على وجهين: خطاب لمعرض، ويسمى زجرا، كما يسمى في حق البهائم، وخطاب لمقبل على التفهم، ويمسي نهيا، فكأن الزجر يريع الطبع، والنهي يريع العقل.
فنفرد لكل واحد من هذه الحروف والوجوه فصلا على ترتيب إيراد الحديث، بحول الله والتأييد بروح منه.
1 / 61