78

Túnez la Rebelde

تونس الثائرة

Géneros

فليس في هذا إذن قبول من جلالة الملك لنقل سلطاته إلى الحكومة الفرنسية، إنما ذلك مجرد تعهد من الملك بإجراء كل إصلاح تعتبره الحكومة الفرنسية مفيدا.

وبالأحرى فليس في هذا أي تخل من جلالته عن سيادته الملكية؛ إذ إن جلالته احتفظ بحق وضع التشريعات وسن القوانين ما دامت لا تخالف الالتزامات التي تضمنتها وثيقة 12 / 5 / 1881.

على أن اتفاقية 1883 بغض النظر عن عيوبها الجوهرية تقتضي في مفهومها التعاون بين حكومتين لا حكما مباشرا تقوم به الحكومة الفرنسية بتونس، فضلا عن إضافة سيادة أخرى للسيادة التونسية التي هي السيادة القانونية والشرعية الوحيدة، وهذا الأمر من البداهة بحيث إن السلطة التشريعية ظلت كاملة بيد جلالة الملك.

وبينت الحكومة التونسية أن ذلك الحكم المباشر الفرنسي خلط وخروج عن المعاهدات المبرمة: «... حدث أن صدر - استنادا إلى تفسير اتفاقية 1883 - قرار من جانب واحد (قرار رئيس الجمهورية الفرنسية بتاريخ 10 / 11 / 1884) عهد للمقيم العام المصادقة بالنيابة عن الحكومة الفرنسية على إصدار وتنفيذ جميع المراسيم الصادرة عن جلالة الباي»، وهكذا أصبح هذا الموظف الفرنسي السامي هو رئيس الدولة الحقيقي؛ فقد أصبح له وحده حق إعطاء القوانين القوة التنفيذية.

وبعد هذه الخطوة نحو الاشتراك في مباشرة السيادة الداخلية شاهدنا ظهور النظرية الواهية القائلة بأن: «الحماية وضع مستمر التطور»، مما أدى إلى خلط في السيادة وإلى الحكم المباشر.

فكيف يتم الإصلاح المنشود؟ وبأية طريقة تحقق تونس لنفسها ذلك الاستقلال الداخلي الذي تعهدت فرنسا بإنجازه؟ ومن البديهي أن العمل الأول الرئيسي هو إبراز السيادة التونسية وتخليصها مما اعتراها من غموض وعلق بها من خلط وأنابها من اعتداء، حتى تصفو صفاءها القديم وترجع إلى جوهرها الفرد بإدخال نظام دستوري على الدولة التونسية لا يشارك في مؤسساته غير التونسيين، وذلك ما وضحته الوزارة التونسية عندما قالت في مذكرة 31 أكتوبر آنفة الذكر: «إن الاستقلال الداخلي الذي تنوي فرنسا تحقيقه يتناقض مع النظام الحالي في ميادين التشريع والحكم والإدارة.»

إن الاستقلال الداخلي معناه أن تتمتع تونس بالسيادة الداخلية والحكم الذاتي وبحقها في السير بنظمها الداخلية وفقا لأمانيها الخاصة.

وهذا الاستقلال الداخلي الذي هو عربون الصداقة بين تونس وفرنسا يجب أن يتم إنجازه في أجل أدنى، ويجب المبادرة بتحقيقه في ثلاثة ميادين: الحكومة والتشريع والإدارة.

ففي الميدان الوزاري ثبت أنه من الضروري جعل الحكومة تونسية خالصة على أن يستعين الوزراء ورؤساء المصالح الكبرى - عند الاقتضاء - بأخصائيين فرنسيين للقيام بمهامهم أحسن قيام، وتكوين موظفين إداريين متصفين بالخبرة والمقدرة وفق المنهاج الإداري الفرنسي، وبذلك نتجنب ازدواجا فعليا في داخل الحكومة التونسية من شأنه أن يعرقل تطور الشئون العامة وسيرها، ويسيء إلى الصداقة بين تونس وفرنسا.

وفي الميدان التشريعي فإن إنشاء مجلس نيابي تونسي يضع القوانين ويراقب تصرفات الحكومة وسياستها العامة سيكون خطوة هامة في طريق الديمقراطية، على أن يكون - مدة الفترة الانتقالية - حق إعداد مشاريع القوانين مقصورا على السلطة التنفيذية مع تمتع أعضاء هذا المجلس بحق إدخال تعديلات عليها.

Página desconocida