2 (2) شهر رمضان شهر جهاد وكفاح
تعظم تونس شهر رمضان منذ العصور القديمة، فيكثر فيه التعبد وتمتلئ المساجد، خاصة في الليل، وتقوى العاطفة الدينية ويعم الصيام، وكان شهر رمضان دائما شهر الاحتفالات والسمر والسهرات المطربة، شهر الحلوى والمأكولات اللذيذة، وكادت تكون أيامه كلها أعيادا، تزين فيه المدينة زينة كاملة، ويضاء ليله، وتكتظ المقاهي بالناس وتبيت الميادين العامة والشوارع الرئيسية مزدحمة بهم.
وقد قرر شعب تونس في هذه السنة أن يجعل من شهر رمضان شهر حداد على الشهداء وحداد على حرية فقدت واستقلال ضاع وكرامة ديست وشعب يئن تحت سوط العذاب، ففقدت تونس بهجتها ومرحها وأضواءها وخيم الظلام على لياليها، فلا زينة ولا أعلام، ولا جماهير ضاحكة في الشوارع، ولا غناء ولا طرب ولا موسيقى، بل السكون والصمت يتخلله دوي القنابل المنفجرة، وصيحات المعذبين في الأرض، ووقع أقدام الجنود والحرس الفرنسي في الميادين والشوارع المقفرة، وقرر شعب تونس أن يكون شهر رمضان للكفاح والجهاد.
وعرف الفرنسيون أن العاطفة الدينية تشتد في رمضان وتقوى، وربما تنقلب إلى ثورة جامحة، فأكثروا من الاحتياطيات، وعمت حركات جيوشهم وتنقلات جنودهم، وازداد نشاط البوليس وخاصة أمام المحافظة ليلة رمضان، من لوريات ثقال ودراجات نارية وسيارات «جيب»، وحركات أعوان البوليس وقد حملوا بنادقهم ورشاشاتهم، وضيقت الحراسة على المدينة كلها، ولكن الفرنسيين ما زالوا سادرين في طغيانهم؛ فقد انتخب المجلس الوطني الفرنسي «كلونا» «وبيو» كنائبين عن فرنسيي تونس في مجلس الجمهورية فحصل الأول على 197 صوتا والثاني على 187. وهما لسان العداوة الناطقة والاستعمار الإجرامي والدعوة إلى إلحاق تونس بالتراب الفرنسي، فأحدث ذلك الانتخاب رجة جديدة في الأوساط التونسية وضاعف الغضب، وأضرم روح المقاومة.
وألقى الفرنسيون القبض على عدد وافر من الوطنيين احتياطا لأنفسهم وطلبا لفرض الهدوء، ولكنهم كانوا كالعطشان في الصحراء يجري وراء سراب يحسبه ماء وما هو بماء.
فألقت السلطات الفرنسية القبض على الأستاذ محمد جراد البطل الجسور والشاب الوطني الجريء الذي صفع مصطفى الكعاك عندما كان وزيرا أولا، واعتقلت السلطات الفرنسية معه عددا كبيرا من الشباب الدستوري الجديد، وأحيلوا ليلة رمضان على المحاكم العسكرية بتهم متعددة: عصابة، مفسدين، وقتل متعمد، ومؤامرة ضد أمن الدولة الخارجي بدعوى أنهم هم الذين كانوا يصدرون منشورات بإمضاء «اللجنة السرية للمقاومة»، وكانوا يصنعون قنابلهم بأيديهم.
وألقي القبض أيضا على الأستاذ الناصر بو الأعراس رئيس شعبة باب سويقة الدستورية بدعوى أنه تلقى أوامره من الرئيس «الحبيب بورقيبة» عندما كان مبعدا بطبرقة، فقاد مظاهرات أمام بيت البكوش والإقامة العامة، وشملت الاعتقالات القطر كله، وكان جميع المعتقلين - كالعادة - من أتباع الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد.
3 (3) عيد الفطر أو عيد القنابل
أقبل عيد الفطر وانسجم مع الجو العام الذي كان يسود تونس منذ أواخر سنة 1951، فكانت أيامه ولياليه صامتة خرساء، وأغلقت الدكاكين والمتاجر أبوابها، وأقفرت الأسواق والشوارع، وغارت معالم الزينة المألوفة فلم تظهر بأي شكل ولا في أي محفل، ولم يتبادل التونسيون التهاني، ولم يرتدوا ثيابا جديدة، ولم يصنعوا ما تعودوه من الحلويات الشهية.
وكان الحزن عاما، والحداد مخيما على القطر التونسي كله.
Página desconocida