39

36 °

شمالا، وخط طول 10

10 °

شرقي جرينتش، وتونس في الوقت الحاضر مدينتان متصلتان، تختلف الحياة في إحداهما عنها في الأخرى اختلافا عظيما، فالأولى مدينة يسكنها أهل البلاد، وليسوا جميعا من المسلمين، وهي أثر من آثار القرون الخوالي بقي على حاله أو كاد، أما الأخرى فمدينة أوروبية حديثة النشأة مظهرها جديد كل الجدة، لا تزال تنمو وتتسع باطراد، القديمة على مسيرة ثلاثة أرباع الميل تقريبا من طرف البركة المسماة ببحيرة تونس، ترتفع شيئا فشيئا من الشرق إلى الغرب حتى تشرف على مغيض من ماء ملح كاد يجف، يعرف ب «سبخة السيجومي»، وعلى هذا الجانب خارج أرباض تونس ذروة «المنوبية»، وفيها مشارف مترامية، وإلى الجنوب الشرقي من المدينة وفي كنفها هضبة سيدي أبي الحسن وجبل الجلود، وعلى مسافة أخرى تلال «بيركسة»، وإلى الشمال هضبتا بلفادير و«رأس الطابية»، ووراءهما جبل أحمر وجبل نهيل، ولا تحول هذه المعارج بين تونس وبين سهولة الاتصال بسهل مرناق ووادي نهر مليان من ناحية، وبسهل منوبة ووادي مجردة من ناحية أخرى، كما يصلها ساحل البحيرة الشمالي بحلق الوادي وقرطاجنة، وحصونها الطبيعية جيدة ولكنها غير منيعة، فكثيرا ما احتلت تونس بلا كبير عناء، وصهاريجها تغني الناس عن جلب ماء الشرب من بعيد، وموقع تونس حسن جدا من الوجهة الاقتصادية، فهي على المخارج من أواسط سلطنة تونس، وفي موضع جد خصيب، قريبة من البحر والسواحل الأوروبية.

مدينة تونس ومسجدها الجامع.

ولسنا في حاجة إلى أن نقف عند قول كتاب العرب بأن كلمة تونس عربية الأصل، وهم يزعمون أنها مدينة ترشيش التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس، ولم نهتد بعد إلى اشتقاق معقول للاسم، وقد قيل إن اسم تونس الذي يطلق على المدينة نفسها يرجع إلى العهود البونية، إن لم يكن قبل ذلك، وروى ديودورس وبوليبيوس أن تينس بلدة كبيرة شيدت وراء حصون، ولا شك أنها قامت في معظمها حول «القصبة» الحالية على مسافة من البحيرة، وكانت صالحة للملاحة وقتذاك، وقد حاصرها الليبيون وفتحوها، وهم الذين ثاروا في مستهل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ثم فتحها أجاثو قليس رجولوس، وكانت معسكر الجند المرتزقة الثوار، ثم سقطت في يد سقبيو الإفريقي، ولعل سقبيو الأملياني هو الذي دمرها.

ويجب ألا نخلط بين تينس التي غدت تونس فيما بعد، وبين مدينة أخرى بالاسم نفسه على رأس أدار «بون» تعرف بالبيضاء.

ولم يكن لمدينة تونس في عهود الرومان والوندال والبوزنطيين شأن كبير، وقد وصلها بقرطاجنة طريق روماني، ولم يكن يذكر بوجودها سوى إشارات متفرقة في مصنفات الجغرافيين أو رجال الدين، ولعلها أسطورة من الأساطير أو لعلها حقيقة من حقائق التاريخ قصة حياة القديسة زيتونة التي عاشت أيام الوندال، والتي يقال إن الجامع الكبير وهو جامع الزيتونة سمي باسمها، وإن الملك مارتين صاحب أرغون طالب بجثمانها عام 1402م.

وكان الفتح الإسلامي، فخرجت مدينة تونس من الظلمات إلى النور فجأة، وسجلت اسمها في صفحات التاريخ بوصفها المدينة الإسلامية التي ورثت بعض مفاخر قرطاجنة، ثم سرعان ما أخذت تنافس مدينة القيروان؛ فما استولى حسان بن النعمان عام 698م على قرطاجنة العاصمة القديمة ودمرها، حتى بادر إلى البليدة القائمة عند نهاية البحيرة، وأخذ يحولها إلى قاعدة بحرية تقلع منها الأساطيل في سفرات نائية، ويحتمي فيها من مباغتة الروم، وشيد في تونس «دار الصناعة»، وقيل إنه جلب من مصر ألف أسرة قبطية تزود هذه الدار بمهرة الصناع، ولسنا نعرف عن المدينة نفسها في هذه الفترة شيئا محققا، وكل الذي نستطيع أن نتبينه ظنون يشوبها الإبهام عن أصل مختلف الشعوب التي نزحت إليها، فالذي لا شك فيه أنه نزلها أولا تجار وعمال نصارى، ثم أخذ سكانها يتضاعفون بمن أسلم من أهلها، ومن انضم إليهم من الجند العرب، وكانوا غلاظا مشاغبين ذوي طمع، والمسجد الجامع هو أول بناء إسلامي بحق شيد للعبادة، وقد ظل قبلة أهل المدينة قرونا، وفي رواية أن الذي شيده هو ابن الحبحاب عامل بني أمية، وهو الذي جدد كذلك دار الصناعة، ولكنا لا نعرف من الذي شيد الأسوار.

مدخل مسجد الزيتونة بمدينة تونس.

Página desconocida