Túnez Verde
تونس الخضراء
Géneros
وأصبحت القائديات التي تنقسم إليها القبائل أقساما إدارية على رأس كل منها مراقب فرنسي مدني.
أما المسائل التي تتصل بالمقيم العام والمراقبين المدنيين والقضاء الفرنسي، فقد فصل فيها وحدها مراسيم صدرت من رئيس الجمهورية الفرنسية. وتتنازع الحالة السياسية والإدارية والقضائية الآن في تونس سلطتان؛ إحداهما محافظة يمثلها الباي، والأخرى مجددة حديثة هي سلطة الفرنسيين. وكان أهم ما قامت به دولة الحماية هو الحد بقدر المستطاع من التدخل الأجنبي في شئون المال والقضاء؛ فضمنت فرنسا الدين التونسي، ووافقت بريطانيا العظمى وإيطاليا على إلغاء اللجنة المالية، وعاد الميزان الاقتصادي في تونس إلى الاستقرار بفضل نظام ثابت لإدارتها المالية، ووضع ميزانية لها على المنهج المألوف، وجعلت للباي مخصصات ينفق منها على بيته وحاشيته، ولا تزال الحكومة الفرنسية تعتمد في ميزانية تونس بعض المبالغ الخاصة كالإعانة التي ترصدها لأسقفية قرطاجنة، وأصبحت وحدة العملة هي الفرنك لا القرش، بمقتضى مرسوم أول يوليو عام 1891م.
وأنشئت محاكم فرنسية بمقتضى القانون الفرنسي الصادر في 10 أبريل عام 1883م، ووافق الباي بمرسومه الصادر في 5 مايو من العام نفسه على أن الذين كانوا يتمتعون بالامتيازات يحق لهم التقاضي أمام هذه المحاكم الجديدة؛ ولذلك أخذت الدول الأجنبية الواحدة تلو الأخرى تلغي محاكمها القنصلية، كما أنها تنازلت عن المزايا الجمركية التي كانت تتمتع بها أيام الامتيازات، وأبدت إيطاليا وحدها بعض التحفظات، فلما انتهت معاهدتها مع تونس عام 1868م، وهزمت في عدوة بالحبشة، اضطرت إلى الاعتراف بالحماية الفرنسية على تونس، ولكن تركيا رفضت الاعتراف حتى معاهدة سيفر 1920م، وبالرغم من هذا احتفظت إيطاليا بمكانة ممتازة في السلطنة، وأبت التنازل عنها، ويرحل إلى تونس عدد كبير من الإيطاليين، وتنشر إيطاليا نفوذها عن طريق الصحافة وبيوت المال ومعاهد الثقافة بنوع خاص، ولا تخضع هذه المؤسسات للرقابة الفرنسية بمقتضى الاتفاقات المعقودة بينها وبين فرنسا، وهي تشكو مع ذلك من عدة أمور فيها حيف برعاياها، وفي عام 1919م اعترفت فرنسا بملكية إيطاليا لواحتي غات وغدامس، بمقتضى اتفاق وضع حدا للمشكلة الإيطالية المعلقة في تونس.
وساعدت الحماية فرنسا على أن تقوم في السلطنة باستغلال الموارد الطبيعية، وتزويد البلاد بحاجاتها الثقافية والاجتماعية كالمستشفيات والصيدليات، وإعداد الأطباء وإنشاء الجمعيات الخيرية والمعاهد العلمية المختلفة، وقد أدى التقدم الحديث والتوسل بالأسباب السليمة الصحيحة إلى انتعاش اقتصادي مشجع.
وتونس بلاد زراعية أولا، وقبل كل شيء تنبت الحبوب والكروم والزيتون والبلح والخضر، وكذلك الفلين والحلفاء. على أنها قد أصبحت بمرور الزمن تصدر الحديد والرصاص والخارصين، ثم الفوسفات بنوع خاص منذ أن كشف مناجمه ب. توماس عام 1885م، أما وارداتها فهي الوقود والحاصلات الاستوائية، ومقدار كبير من المصنوعات.
وتبلغ تجارتها الخارجية حوالي ثلاثة مليارات من الفرنكات، وظل ميزانها التجاري في عجز عدة سنوات، ولم تكن مواردها من قدوم السياح كافية لسد هذا العجز.
وعملت الحكومة على تيسير الاستعمار الأوروبي، ووضع ملكية الأراضي على نظام حديث. فأصدرت قانونا عقاريا عاما ينص على أن تسجيل الأراضي اختياري، لا يتم إلا بموافقة محكمة مختلطة أنشئت لهذا الغرض. وصدر مرسوم في مارس عام 1924م مهد للقيام بمسح الأراضي، وفي باكورة عهد الاحتلال الفرنسي ترك امتلاك الفرنسيين للأراضي لتصرفهم الشخصي، ولم تنتهج الحكومة سياسة إسكان الفرنسيين المدنيين في الأراضي التونسية، والسير عليها سيرا حثيثا إلا منذ عام 1900م، وأخذت الحكومة تبتاع الأراضي لتبيعها مرة أخرى بشروط يسيرة جدا للفرنسيين من خريجي المدرسة الزراعية الاستعمارية في تونس، وأخذ الإيطاليون ينافسون الفرنسيين بكثرة فلاحيهم لا بعدد ضياعهم، ولما رأت فرنسا أن الفرنسيين المدنيين يقل إقبالهم على الهجرة شرعت تستن سياسة لتيسير التجنس، بيد أن النزاع الذي أثارته إنجلترا في هذا الصدد أمام محكمة لاهاي الدولية دفع الحكومة إلى إصدار قانون فرنسي في عشرين ديسمبر عام 1923م يسر التجنس للأجانب والوطنيين تيسيرا كبيرا، ووافقت بريطانيا بوجه عام على قواعد هذا القانون، وهي متعلقة بصفة خاصة برعاياها المالطيين. أما الإيطاليون فقد تخلصوا باتفاقاتهم الخاصة من ضروب التجنيس الإجباري ، وإن قبل بعضهم التجنس مختارا، ويبلغ عدد المتفرنسين في الوقت الحاضر ربع السكان الفرنسيين، ولا يزيد عدد المسلمين فيهم على ألفين، بينما يزيد عدد اليهود على خمسة آلاف.
واحتفظ اليهود وبينهم آلاف من أصل أوروبي، بالرعوية الإيطالية.
وظلوا في غالبية شئونهم من رعايا الباي خاضعين للسلطة والقضاء المحليين، إلا في الشئون المتصلة بالأحوال الشخصية، فتفصل فيها محكمة تونس الربانية، كما يفصل فيها أيضا كتاب العقود الإسرائيليين، ولا يؤدي يهود تونس الخدمة العسكرية، كما أنهم لا يلتحقون بوظائف الحكومة على وجه عام، ويثير تقدمهم السريع في مضمار الحضارة الأوروبية مشكلة تجنيسهم جملة أو زرافات بالجنسية الفرنسية، وبمقتضى المرسوم الصادر في 30 أغسطس عام 1921م أنشأت الحكومة لليهود جميعا على اختلاف جنسياتهم مجلسا مليا يتألف من اثني عشر عضوا ينتخبون على درجتين، ومدة عضويتهم أربع سنوات، ولهذا المجلس حق الفصل في المسائل المتصلة بالإعانات والعبادات، وتعين الحكومة رؤساء الطوائف اليهودية الأخرى، وكذلك حاخام الربانيين الأكبر ، ولا يقبل اليهود على القيام بشعائر دينهم، وإن كان للدعوة الصهيونيو هناك مكانة ملحوظة.
وقد سعت الحكومة الفرنسية إلى النهوض بالإدارة الوطنية والأحوال الاقتصادية والدينية للمسلمين، مع احترام شعورهم الديني، ولا تزال أمامها عدة مشاكل لم تحل، وتتطور الجماعة الإسلامية تطورا جوهريا على الرغم من مقاومتها للحياة الأوروبية، ومن سبق الحوادث التكهن بنتائج هذا التطور. أما حركة الدستور التي تطالب بالحكم الذاتي، والتي نشطت في أعقاب الحرب فقد كبح جماحها المقيم العام لوسيان سانت، وكان بارعا في ذلك، والظاهر أن الأهلين راضون الآن بالإصلاحات التي اتجهت إليها حكومة الحماية في سياستها الداخلية ما بين سنتي 1920 و1930م.
Página desconocida