وخلا به، وعرفه ما عليه مؤنس من اجتذاب الجند إليه، وأن ذلك إن تم غلب على الأمر وصار أمير الأمراء ومد يده إلى الأموال وأقل مراعاة الخدمة واحتشام الخلافة. وأغراه شديدًا وخوفه منه تخويفًا كثيرًا. فلما ركب مؤنس إلى المقتدر بالله قال له بمحضر من ابن الفرات: ما شيء أحب إلي من مقامك، عندي لأنني أجمع في ذلك بين الأنس بقرب دارك، والتبرك برأيك والانتفاع بمكانك، ولكن أرزاق الفرسان التفاريق عظيمة، وما يمكن إطلاقها ولا النصف منها على إدرار، ولا يطيعون في الخروج إلى بعض الجهات، وإذا أقمت طالبوا بالانضواء إليك، فإن أُجيبوا لم يف ما يحمل من أموال السواد والأهواز وفارس والمشرق بنفقات الحضرة ومال من يجتمع معك، وإن لم يجابوا شغبوا وافتتن البلد. ثم إنك إن أقمت لم يرج مال ديار مضر وربيعة والشام، ووقف ما قرر على المادرائيين، والصواب أن تخرج إلى الرقة، فإنها واسطة أعمالك وعمال الخراج والمعاون بمصر والشام يهابونك ويراقبونك، ويحملون الأموال مراعاة لك وخوفًا منك، ويستقيم أمر المملكة بذلك. وأمره بالشخوص إلى هناك من وقته في سائر من برسمه. وكان المتكلم عن المقتدر بالله ابن الفرات. فعلم مؤنس أنه أمر قد تقرر برأيه وتدبيره وعلى حكم ما يعتقده من عداوته، فقال: السمع والطاعة لأمير المؤمنين، إلا أنني استأذن في المقام بقية شهر رمضان، فإذا أفطرت وعيدت سرت وتوجهت. فقال له: افعل. فلما عيد ركب إلى ابن الفرات لوداعه ودخل إليه فقام له قيامًا تامًا، واستعفاه مؤنس من ذلك فلم يعفه وحلف عليه أن يجلس معه على المصلى فامتنع. وسأله مؤنس في عدة أمور فوقع له بها وأجابه إلى جميعها، ونهض فأراد ابن الفرات
1 / 53