وحكي عنهم في ترتيب الموجودات تفصيل وهو أن الصادر الأول عن الذات الواجب الوجود عقل له اعتبارات ثلاثة: وجوده في نفسه، ووجوبه بالغير، وإمكانه لذاته فيصدر عنه بكل اعتبار أمر. فباعتبار وجوده يصدر عقل، وباعتبار وجوبه بالغير يصدر نفس، وباعتبار إمكانه يصدر جسم، وهو الفلك الأول وهو فلك الأفلاك المشتمل على جميع ما عداه من الأفلاك، وهو المسمى عند الحكماء بالفلك الأطلس، لأنه غير مكوكب ويسمى بالعرش المجيد في لسان الشرع، وتحته فلك الثوابت وهو الكرسي، ثم فلك زحل، ثم فلك المريخ، ثم فلك الشمس، ثم فلك الزهرة، ثم فلك عطارد، ثم فلك القمر وهو سماء الدنيا، لأنه أقرب إلينا من سائر الأفلاك. ويصدر من العقل الثاني، عقل ثالث، ونفس ثانية، وفلك ثان، وهكذا إلى العقل العاشر الذي هو في مرتبة التاسع من الأفلاك، وهو فلك القمر، ويسمى العقل الفعال المؤثر في هيولا العالم السفلي، المفيض للصور والأعراض على العناصر البسيطة وعلى المركبات منها بسبب ما يحصل لها من الاستعدادات المسببة عن الحركات الفلكية، والاتصالات الكوكبية، وأوضاعها، وأسند في تلك الاعتبارات الثلاثة في كل فلك الأشرف إلى الأشرف، والأخس إلى الأخس، ولهم على ما يدعونه إمارات ظنية، لم يكن عليها إثارة من علم الشريعة.
وقد جعل السيد الشريف قدس سره الأرواح تنقسم إلى ثلاثة: فقال في تعريفاته: الروح الإنساني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني، نازل من عالم الأمر، تعجز العقول عن إدراكها كنهها، وذلك الروح قد تكون مجردة، وقد تكون منطبعة في البدن والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الإنساني، وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن، والروح الأعظم الذي هو الروح الإنساني مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، لذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم، ولا يروم وصلها رايم، ولا يعلم كنهها إلا الله، ولا ينال هذه البغية سواه، وهو العقل الأول، والحقيقة المحمدية، والنفس الواحدة، والحقيقة الإسمائية، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النوراني جوهريته مظهر الذات، نورانيته مظهر علمها ويسمى باعتبار الجوهرية نفسا واحدة وباعتبار النورانية عقلا أولا، فكما أن له في العالم الكبير مظاهر وأسماء من العقل الأول والقلم الأعلى والنور والنفس الكلية واللوح المحفوظ، وغير ذلك له في العالم الصغير مظاهر وأسماء بحسب ظهوراته ومراتبه في اصطلاح أهل الله وغيرهم، وهي السر والخفي والروح والقلب، والكلمة، والروح، والفؤاد، والصدر، والعقل، والنفس وهذا ما عليه أهل الطريقة ومستندهم في أكثر ذلك هو الكشف. وذهب قوم إلى أنه عرض لأنه لو كان جوهرا، والجواهر، والجواهر متساوية الأقدام في الجوهرهية، للزم أن يكون للروح روح آخر وهو فاسد، وذلك لأن الأخبار الواردة فيه من العروج والهبوط والتردد في البرزخ ينفي كونه عرضا، لأن العرض لا يوصف بأوصاف، إذ الوصف معنى، والمعنى لا يقوم بالمعنى كما تقرر في موضعه وما ذكره من اللازم الممنوع.
وذهبت طائفة إلى أنه جوهر، فرد متحيز فزعموا أنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الحيواني وأنه حامل للصفات المعنوية وهو فاسد أيضا لأن الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لصغره لا كسرا ولا قطعا ولا هما ولا فرضا، وصدور المعاني الخارقة للعقول عن مثل ذلك مستحيل.
1 / 3