272

Tuhfat Asmac

تحفة الأسماع والأبصار

[94/أ]هذا وقد قدمنا أمر الحريق الذي وقع معنا، وعظم موقعه وهول حادثه، وحملنا علىالعناية والإحتراس، والمبالغة في الإحتفاظ، ثم أنا لم نشعر في بعض الليالي إلا وقد اشتعلت النار في جانب العشة التي نحن فيها، مع هدوء العيون وغلبت النوم على حواس الحراس الموكلين بالحفظ، فكنت أول من أدرك اشتعالها وانتشارها، مع هدوء الريح تلك الليلة، وسلمنا الله عز وجل من ذلك ونجانا بفضله علينا مما أرصده لنا من تلك المهالك، فالحمد لله ولي الحمد ومستحقه، حمدا يقوم بعظيم فضله، وواجب حقه، ولما رأينا هذه المخاوف والحوادث التي تنوب، والكوارث التي هيجت الأحزان والكروب، مع ما رأيناه أيضا من مماطلة الملك بالمواعيد الكاذبة، ضاق الصدر وحرج، واضطرب الأمر ومرج، وخشينا ألا نجد إلى الخروج من تلك الديار سبيلا، لا سيما قد وقعت مراسلات من الملك وبعض وزرائه لبعض جماعتنا من العسكر المصاحبين يرغبونهم بالبقاء هنالك، ومع ما رأيناه من تخبير عدة من الرسل الذين يصلون إلى الملك بعضهم من أهل أوسة، وبعضهم من جهات سنار، وبعضهم من جهة الأتراك ، حتى صاروا في سلكهم، واستعبدوهم كما يستعبدون من وقع في ملكهم، ومع أنا نفكر في الحال، وننظر فيه إلى ما يكون في المآل، فوجدنا خروجنا مع تقدير تيسره، إنما هو من جانب الأتراك على جهة مسوع، فنحن آمنين من مكرهم، ولا واثقين بأمانهم لما هو الغالب من نكثهم وغدرهم، فالتبست الأمور علينا، كقطع الليل المظلم فلم نجد لنا ملاذا ومعاذا غير الإلتجاء إلى الله عز وجل، والتمسك بدرس القرآن العظيم الذي هو من أعظم ما به نتوسل، فيسر الله لنا مع ذلك منامات مبشرات، دالة على السلامة، ومؤذنة بالنجاة من كل ندامة، أذكر منها بعضها وهي: ما رأيت في بعض الليالي من الوفود على إمامنا المتوكل على الله -أيده الله تعالى- فوصلت إلى ديوانه الذي يقعد فيه لقضاء حوايج المسلمين فوجدته مملؤا من العلماء العظماء، كل منهم فارش سجاد يصلون، وينتظرون نزول الإمام -عليه السلام- إليهم من أعلى الدار لصلاة الجماعة فقعدت مسندا ظهري إلى جدار الديوان قعود الوافد، فبينما أنا كذلك إذ وصل الإمام -عليه السلام- فقمت إليه، وسلمت عليه، وهو يشق الصفوف حتى تقدم إلى محل صلاته فجعلت أطلب لي مكانا أقعد فيه للصلاة فلم أر متسعا إلا في سجادة سيدنا القاضي العلامة وجيه الدين خير[94/ب] القضاة الميامين، عبدالقادر بن علي المحيرسي -حفظه الله تعالى- فقعدت معه عليها، وقضينا الصلاة جماعة، ثم خرجنا من تلك الدار على القاعدة المعروفة، فرفع المسبح صوته وهو يقول:

هات الآحاديث تصريحا وتنبيها .... لعلها من غليل النفس تشفيها

Página 407