Tuhfat Asmac
تحفة الأسماع والأبصار
ثم إنا بعد تمام سبع مراحل اتصلنا ببلاد (الفلاشة) أولها واد عظيم تحت جبل عال في نهاية السمو، وغاية العلو، اسم الوادي (أغنة) -بنون قبلها غين معجمة ساكنة قبلها همزة مضمومة- والجبل (سمين) مصغرا، وهو أعظم جبال الحبشة، ولو أقول أعظم جبال الأرض لم يكن بعيدا؛ لأنه يوجد في كل طريق من طرق الحبشة، وهو شديد البرد لا يعرف مثله في شدة البرودة، لا يبرح الماء جامدا فيه شتاء وصيفا، وهذه البلاد عهدة ولايتها على بعض وزراء الملك، وأهل الإختصاص بحضرته، رجل منهم اسمه (دموه) وله وكلاء ونواب في البلاد، وأما هو فلا يفارق حضرة الملك، وهذه القبيلة التي يسمونها (الفلاشة) قبيلة كبيرة، من أعظم قبايل الحبشة، وهم على دين اليهودية وشريعة التوراة، وكانوا من قبل خارجين عن طاعة الملك لإختلاف دينهم، وهم أهل نجدة، وشوكة عظيمة، وبسالة، فما زال الملك يغزوهم ويحاربهم ويضايقهم من جميع أطراف بلاده لإحاطة بلاد النصارى بهم، حتى غلبهم واستنزلهم من حصونهم، ودخلوا في طاعته، ودانوا له بمقالته، وجعل ولاية بلادهم إلى ولاية هذا الوزير، ودخل أكثرهم في النصرانية، ولم يبق إلا اليسير، غير أن الملك لم يعترضهم في أمر الدين، وإنما يطلب منهم الطاعة له، واستمر سيرنا في هذه البلاد حتى اتصلنا ببلاد (الأمحرة) الذين هم عشيرة الملك وكرسي مملكته، وأهل نصرته، وكان سيرنا في بلاد (الأمحرة) قدر اثنتي عشر مرحلة، وبعد تمام اثنتي عشرة وصلنا قرية قريبة من مدينة الملك أهلها كلهم مسلمون وفيها مسجد، ومكتب لتعليم صبيانهم القرآن، فاستأنسنا بذلك غاية الأنس، وسررنا بهم أكمل المسرة، بحيث أنه سرى عنا ما ثقل على قلوبنا مما قد قاسينا من سوء مخالطة[87/ب] الكفار والنظر إليهم، وإلى منكراتهم، إلا أن الله سبحانه وتعالى يسر لي خاصة تجنب طعاماتهم المصنوعة، كما كنت أعد من الدقيق الذي يطحنه المسلمون، وأما بقية المصاحبين فإنهم اضطروا إلى أكل طعامهم المصنوع، وللضرورة أحكام.
Página 383