(والكفر: نقيضه) (1) أي نقيض الإيمان المستلزم للعمل بأن لا يكون هناك تصديق ولا عمل مجزي أو لا يكون تصديق بل مجرد العمل فمنافق (فبين الإيمان نفسه) أي عينه (والكفر تباين كلي) كلما ارتفع أحدهما وجد الآخر فهما نقيضان (والمسلم أعم مطلقا من المؤمن لعدم وجوب التصديق) القلبي (في المسلم) الذي هو بمعنى الإنقياد فكل مؤمن مسلم ولا ينعكس كليه فيكون كل مسلم مؤمن لقوله تعالى: ({قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} ثم قال: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله}) فعلل ذلك بعدم العلم اليقيني (وهو المطلوب) من نفي تلازم الإيمان والإسلام بمعنى الكل (وأعم) أي الإسلام (من وجه من الكافر لصحة دخول المؤمن تحته أي تحت الإسلام إذا وجد التصديق (ودخول المنكر) قلبيا (في الكفر واجتماعهما) أي الكفر والإسلام (في المنافق) المنقاد ظاهرا المنكر باطنا لحديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ونحوه، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، إلا إن الكفر في مادة الاجتماع بالانقياد من وجه الإنكار للتصديق دون وجه الانقياد لا كالكفر في في مادة الافتراق أعني المباين فهو من كل الوجوه التصديق والانقياد لكن لم تجر أحكام المباين على مادة الاجتماع تغليبا لما يصحبه من لوازم الإيمان في المنافق وهذه علة لعدم جري أحكام الكفر في مادة اجتماعه مع الإسلام وحاصله أنه قد اجتمع في المنافق جهة كفر وهي عدم إعتقاد الإيمان وجهة إسلام وهي العمل بالشرعيات الذي هو من لوازم الإيمان فغلب جانب الإسلام على جانب الكفر للحديث وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (والفاسق أخص مطلقا من الكافر فكل فاسق كافر) لإجتماعه معه في بعض الخصال الكفريه (لا العكس) كليا وذلك لأن الفسق موضوع لغوي للفعل الخسيس فقط كالكذب والغدر والخيانة والزنى بحليلة الجار ونحو ذلك، لا مثل القتل والنهب والشرب ونحو ذلك، فإنهم كانوا لا يسمونه فسقا في اللغة، نعم المسلم الذي يفعل الكبيرة ناكث عهد ونكث العهد فسق في اللغة كالخيانة كلاهما من الأفعال الخسيسة فالفسق اللغوي والشرعي يجتمعان في الغدر والخيانة ونحوهما، ويوجد الشرعي بدون اللغوي في النهب والقتل بغيا، واللغوي بدون الشرعي لا يوجد، فبينهما عموم مطلق من جانب الشرعي (وقيل إطلاق الكفر على الفاسق مجاز ورد أن ذلك) ينبنى (إن كان الإيمان قول بلى عمل) وقد مر بطلانه عند حقيقة الإيمان يزيده وضوحا قول أمير المؤمنين عليه السلام وقد رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الإيمان قول مقول وعمل معمول، واعتقاد بالعقول. ومن حديثه عليه السلام مرفوعا: الإيمان إعتقاد بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالأركان. رواه المرتضى عليه السلام، عند قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا} ومما يدل على أن الأعمال من الإيمان، قوله تعالى في شأن صلاتهم إلى بيت المقدس: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} على أنه لو كان الإيمان مجرد التصديق القلبي لأنعكس دلالة الآيه، وهي قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}، والإيمان مقبول قطعا فيكون الإسلام وهو الانقياد والإيمان هو الدين المقبول لا التصديق القلبي بغير عمل فلك أن تقول إن الإيمان دين مقبول إجماعا فلو كان غير الإسلام الذي هو عمل لم يكن مقبولا دينا للآية والمعلوم خلافه فثبت المطلوب بأن العمل من الإيمان (وإلا فانتفى جزء) أي من أجزاء (الإيمان موجب لانتفايه) من أصله (ووجوب نقيضه) ونقيض الإيمان هو (الكفر) فقط لما عرفت من أن بين عينيهما وبين نقيضهما تباينا كليا فهما نقيضان لا ضدان (وما ورد من النهي عن تكفير المتشهد) فهو (مخصص) بأحاديث تكفير الخوارج والروافض وتكفير المكفر مع كونهم قائلين لا إله إلا الله (ومتأول) بأن النهي متوجه إلى إجراء أحكام الكفر عليه تغليبا للإسلام جمعا بين الأدلة (أو) يبني على (أن الكفر ليس كالإيمان يدخله الزيادة والنقصان وذلك باطل) لأنهما ونقيضيهما في طرفي نقيض فزيادة أحدهما نقص من الآخر والعكس (فإن ترك التصديق) المستلزم للعمل (لا عمدا) بل جهلا أو لشبهه (أثم التارك إن قصر في تحصيل المقتضى) لوجوب المتروك أو نفيه (ونفي العذر) من قصور أو عدم إمكان العمل (وتحصيلهما) أي المقتضي ونفي العذر (إنما يكون بالنظر الصحيح) العاري عن القصور في تحصيل المقتضي وإطراح العصبية بالإنصاف واتباع مقتضى الأدلة وإن جانب الأسلاف (مع إمكانهما أي إمكان المقتضي ونفي العذر وإلا أدى إلى تكليف غير المعلوم، وقد قال تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وغير ذلك (ولا يطلق التكفير والتفسيق على غير المتعمد لما يوجبهما من دون تقصير) كالأشاعرة ومن يلزمه من اجتهاده الكفر لأن قوله بالملزوم جاهلا للزوم اللازم بل منكرا له متبرى منه كتبري الأشاعرة من الجبر وهو لازم من قولهم بنفي القدرة المؤثره للعبد فغايتهم الخطأ وقد علم افتراق أحكام العمد والخطأ بضرورة الشرع فلا يقاس أحدهما على الآخر (ولتعريف أمير المؤمنين عليه السلام المقسم بالذي احتجب بسبع سموات) لا غير يعني فإنه لم يكفره بل أقامه على طريقة الحق وهو المبين للأمة بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم (ولأداه) أي التكفير من قياس اللازوم على الملزوم والخطأ على العمد( إلى تكليف ما لا يطاق) وهو الإحتراز عن غير المعلوم لعدم جري اللازم على عقلك بعد الطلب، قال سبحانه: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}، وما ورد في تكفير الخوارج والروافض فلمخالفتهم الأدلة عمدا اتباعا للهوى وهذا رأي المؤيد بالله عليه السلام وغيره (1) من علمائنا رحمهم الله.
Página 37