عملية لتعلقها بالعمل والثاني حكمة نظرية تسمية للنوع بوصف جنسه وتنقسم الحكمة النظرية في معلوماتها أيضا بحسب مفارقتها للمادة مطلقا وملابستها لها في الوجود فقط أو فيه وفي التعقل جميعا أقساما ثلاثة فالعلم بما يفارق المادة فيهما هو الإلهي وبما يلابسها في الوجود دون التعقل هو الرياضي وبما يلابسها فيهما هو الطبيعي ويبحث في الأول عن المجردات كالواجب وصفاته والعقول والنفوس ويتبعه الكلام في النبوة والإمامة والمعاد وعن الأمور العامة كالوجود والعدم والحدوث والقدم والوحدة والكثرة ونحوها وربما يخص العلم بالمجردات باسم الإلهي ويسمى العلم بالأمور العامة بالفلسفة الأولى ويطلق على المجموع علم ما بعد الطبيعة وفي الثاني عن المقادير وهو الهندسة وعن الأعداد وهو الحساب وعن أوضاع الأجرام العلوية وهو الهيئة عن النسب التأليفية وهو الموسيقى وفي الثالث عن مبادي المتغيرات كالزمان والمكان والحركة والسكون وعن الأجسام البسيطة والمركبة وتبذل الصور على المواد وعلل حدوث الحوادث ونحوها وربما ينوع أنواعا ويخص كل منها باسم تقليلا للانتشار وتسهيلا للضبط كما يسمى البحث عن البسائط العلوية والسفلية بعلم السماء والعالم وعن الأركان والعناصر وتوارد الصور على المادة المشتركة بالكون والفساد وعن كائنات الجو كالرعد والبرق والمطر وثواني النجوم كالشهب والنيازك وبعض الأرضيات كالزلزلة والخسف بالآثار العلوية وعن المركبات التامة وكيفية تركيبها وما يتعلق بذلك بعلم المعادن والنبات والحيوان والنفس ومن فروع القسم الرياضي المناظر والجبر والمقابلة وجر الأثقال ونحوها ومن فروع الطبيعي الطب وأحكام النجوم والفلاحة وأما الحكمة العملية فتنقسم بحسب المأخذ إلى قسمين ما يؤخذ من العقل من دون توقف على غيره وما يؤخذ من الشرع والأول إما أن تكون مصلحته المقصودة بالذات مقصورة على العامل بخصوصه وهو علم الأخلاق أو عليه وعلى من يختص به أتم اختصاص كالمشارك له في المنزل مثل الزوجة والولد والخادم وهو تدبير المنزل أو يعم غيرهم ممن يساكنهم في المدينة أو يجاورهم فيها وهو السياسات المدنية فهذه الأقسام مما يستقل به العقول الكاملة وقد ورد في جميع ذلك عن الشارع الحكيم مما يصدق حكم العقل وينبه عليه ويؤكده ويزيده وضوحا ما يقطع العذر والحاجة إلى الأقسام الثلاثة ماسة جدا أما الأول فلأن القوى النفسانية التي هي مبادي الأفعال الاختيارية و الحركات الإرادية متخالفة متدافعة جدا كما سبق وعائقة عن الوصول إلى مرتبة الكمال الانساني بل ناكبة بذويها إلى أسفل سافلين فإن الافراط في الشهوة مثلا ملحق لصاحبها بمرتبة البهائم التي همها شهواتها وفي الغضب بمرتبة السباع التي همها الغلبة والافتراس والتفريط فيهما بمرتبة الجمادات الفاقدة لقوة التوليد والانتصار بل البهيمة والسبع والجماد خير منه في هذه الحيثية لأنها لم تفوت على أنفسها كمالا فترتيب هذه الدواعي المتعاضدة على وجه يتحقق بينها المسالمة وتصدر أفعالها منتظمة من أهم المهمات والعلم بكيفية هذا الترتيب وتضعيف القوى منها وتقوية الضعيف بحيث تتعادل وتتساوى من أشرف العلوم وأما الأخيرين فلأن الانسان لا بد له من زوجة بها يدافع سلطان الشهوة ويستعمل القوة المولدة ويستعين بها على بعض أموره وحينئذ يحصل الولد وتشتد الحاجة إلى الخادم ولا بد من النظر في مصالحهم ومصالح المسكن الذي يأوون إليه ويدخر فيه اقواتهم فتتكثر الحوائج بحيث يتعسر على الواحد القيام بها إن أمكن فلا بد له من الاجتماع بعدة من أبناء نوعه يتعاونون جميعا على مصالح المعيشة ونعني بالمدنية محل هذا الاجتماع وحيث إنه مظنة الهرج والفساد لغلبة النفوس الشريرة الخارجة عن الاعتدال فلا بد من سياسات عدلية يتفق عليها الجميع طوعا أو كرها بها يستقيم أمر الاجتماع ويحصل الغرض المطلوب منه وهو الصلاح النوع الانساني وتوجهه إلى ما خلق لأجله من السعادة الباقية والعيشة الراضية وأما ما يؤخذ من الشرع فينقسم أيضا بالتقسيم المذكور إلى العبادات والمناكحات والمعاملات والسياسات الشرعية والعلم بها هو المختص باسم الفقه في عرف الأخيرين فصار علم الأحكام الشرعية التي هي خطابات الشارع أو مدلولاتها المتعلقة بأفعال المكلفين من أقسام الحكمة العملية وعطفها عليها فيما سيأتي من قبيل عطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة والعقل وإن كان مما يستقل بادراك بعض كلياتها ومجملاتها مثل حسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار ووجوب رد الأمانة وحرمة الغصب إلا أن تفاصيلها وحدودها لا تكاد تعرف إلا من جهة الشرع ولا مدخل لعقولنا وآرائنا فيها بوجه من الوجوه فهذا بيان الحكمة وشرح ماهيتها بجزئيها العلم والعمل والحكيم الكامل هو المستجمع لهما الراسخ علمه بالعمل وهو العالم الصغير المنطوي فيه ما في العالم الأكبر والكتاب المبين الذي بآياته يظهر المضمر والآدم الذي خمر الله طينته بيده أربعين صباحا أو عاما وخلقه على صورته وأسجد له ملائكته تعظيما له واكراما وهو الانسان المطلق موجود بما هو انسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان لتحققه ظاهرا وباطنا بخاصيته الانسانية التي بها يمتاز عن سائر الممكنات ومن عداه انسان في الظاهر حيوان في الباطن بحسب الخلق الغالب عليه وفي كلام أهل البيت صلى الله عليه وآله إشارات جلية إلى ذلك والمقتصر على أحدهما ناقص مطعون على قدر نقصه وقد ورد في الانكار والتشديد عليه ما ورد ففي الحديث لا علم إلا بعمل ولا عمل إلا بمعرفة وأن العلم بلا عمل وبال والعمل بلا علم ضلال وفيه أن العالم التارك لعلمه أشد الناس حسرة يوم القيامة وأن أهل النار ليتأذون من ريحه وأن العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا وتبين مما تقدم أن الحكمة العملية من أشد العلوم حاجة إليها ومن ثم يقال بوجوب تحصيلها عينا في الجملة وأوثقها حجة فإن الأدلة الشرعية والوجدانيات التي لا ريب فيها من أقوى البينات وأشرفها موضوعا وهي النفس
Página 4