غير ذلك مما يأتي في باب الدعاء ويضع الوجه على الأرض بهيئة الساجد لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه و يمرغه في التراب لأنه أبلغ في التذلل وارغم للشيطان بدمع جار فإنه من علامات الإجابة وكل شئ له وزن و كيل سواه وقلب حزين وصوت علي لثكله بنفسه وفاجعة أشد منه فحق له الحزن والعويل ويذكر الذنوب واحدا واحدا على التفصيل ليتجدد ندمه كلما ذكر واحدا منها ولا يكتفى بالاجمال سيما مع الذكر فإن فيه اشكالا ويلوم النفس ويوبخها بإزاء كل منها والتوبيخ أشد اللوم ويرفع يديه وهو التضرع فإن تجاوز بهما رأسه فأكمل وهو الابتهال حامدا لله أولا ذاكر نعمه عنده شاكرا مصليا على النبي وآله داعيا بعد ذكر الذنوب بالمأثور أو غيره مستغفرا منها روى في الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال من أطاع الله فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه قيل وما جهة الدعاء قال تبدء فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على النبي وآله ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستغفر منها فهذا جهة الدعاء وتصح التوبة المبعضة على المشهور خلافا لمن أبطلها قالوا إن التوبة على الذنب إن كانت لكونه ذنبا فهو أمر مشترك بين الذنوب كلها وليس بعضها أرجح بالتوبة من بعض وهي نظير ما لو تاب شارب الخمر عن أحد الدنين مع ولوعه بالآخر وإن كانت لأمر آخر لم تكن توبة وأيضا إن الله يحب التوابين والتائب حبيب الله ومن يحبه لم يعذبه كما ورد والعاصي بغير المتوب عنه معذب البتة فلم تفد توبته شيئا والفاتك بابن الملك إذا أجنبت الجنابة بالسيف وجنى بالسكين لم يكن لاجتنابه السيف أثر والجواب أن الذنوب وإن كانت كلها متشاركة في الحقيقة الجنسية إلا أنها متخالفة بحسب الفصول وإلا عراض في مراتب التفاحش كالزنا بذات المحرم والأجنبية وفي مراتب استحقاق العقوبة شدة وضعفا كالسبع الموجبات وغيرها وحقوق الناس التي لا تترك وحقوق الله التي أن يتسارع العفو إليها وفي أمر التدارك عند التوبة يسرا وعسرا كترك الصلاة الموجب للقضاء وحده وافطار يوم من شهر رمضان الموجب للقضاء وصيام شهرين متتابعين فالأغلظ أحق بالتوبة فظهر الفرق بينها وبين الدنين إذ لا فرق بينهما و كذا الجناية بالسيف والسكين وإنما المثال المطابق الجناية على حرم الملك ودابته وأيضا الذنوب إنما تؤتى بحسب الدواعي وتترك بحسب الصوارف وهي متفاوتة في الأشخاص والأحوال تفاوتا لا ينكر فربما يضعف الداعي إلى بعضها ويقوى الصارف فيسهل التوبة عنه دون ما يقوى داعيه ويضعف صارفه كالموسر يضعف داعيه إلى السرقة ويقوى إلى الكبر والمعسر بالعكس فتتفاوت الذنوب بحسب تفاوت أحوال المذنبين في الدواعي والصوارف فلا مانع من التوبة عن البعض لضعف الداعي إليه وقوة الصارف عنه وإن أصر على البعض الآخر لكونه على العكس منه سيما مع فرض الرجحان في طرفه بأحد المرجحات المذكورة لكونه أفحش من غيره أو العقاب عليه أصعب أو التدارك أشق كما مثلنا وإلا لزم بقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة كاليهودي إذا سرق بيضة ثم أسلم ولم يتب عنها والتالي باطل بالاجماع فالمقدم مثله وتفيد نقصان العقوبة لأنها بحسب الذنب فكلما كثر كثرت وكلما قل قلت ولا تفيد النجاة عنها رأسا لأنها لا تحصل إلا بترك الكل وعليه يحمل ما ورد في كلام أهل البيت (ع) من الحكم على التوبة المبعضة بعدم الصحة بمعنى أنها لا تفيد النجاة المطلقة هكذا ذكر المحقق الطوسي (ره) أو تنزل على صورة عدم الرجحان في المتوب عنه والطريق إلى تحصيلها للتائب والمستتيب جميعا أمران أحدهما ايجاد المقتضي وهو ذكر ما ورد من الآيات والأخبار في فوائد التوبة وفضلها والحث عليها وأن الله أفرح بتوبة العبد من أحدكم إذا فقد ضالة في مفازة ثم وجدها وقبح الاصرار على الذنب عقلا وشرعا وشدة العقوبة على المصرين في الدنيا بالنكبات والمصايب والأمراض والفقر وتعجيل الفناء وشماتة الأعداء وتسليط من لا يرحم وسلب التوفيق وفي الآخرة بالسلاسل والأغلال والجحيم والحميم والسموم والعقارب والحيات و نار يأكل بعضها بعضا ويصول بعضها على بعض في مدد لا يعلمه إلا الله وضعف النفس عن الاحتمال لا يسرها في أقصر الآنات وشرف نعيم الآخرة للتائبين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و مجاورة الملائكة المقربين ومرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ورضوان من الله أكبر كل ذلك أبد الأبدين ودهر الداهرين وخساسة الدنيا التي يعصي في مقاصدها الدنية وملتذاتها المنقصة المقرونة بالغموم المعجونة بالسموم الفانية لذاتها الباقية تبعاتها وقرب الموت الذي لا يسلم هاربه ولا يؤب غائبه واحتماله في كل لحظة وكل آن قريب ولذة المعرفة بالمعارف والمناجات مع الله بالسر المشروط بنور القلب وصفاء الباطن وطهارته ورقته الممتنعة مع الاصرار على المعصية لأنه يؤثر بالضد من ذلك كما تقدم وخوف الاملاء وهو في اللغة مطلق الانظار والامهال ويطلق على امهال الله المجرم بعدم الأخذ الحالي عليه قال الله عز وجل ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وقال عز وجل وأملي لهم إن كيدي متين وقال سبحانه وكأين من قرية أمليت لها و هي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير وخوف الاستدراج وهو في الأصل الخداع واستدراج الله للعباد هو اغفال العصاة بالاحسان وتجديد النعم عليهم عقيب الإساءة فينسون الاستغفار وعن أبي عبد الله (ع) إن الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمه ويذكره الاستغفار وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عز وجل سنستدرجهم من حيث لا يعلمون بالنعم عند المعاصي وسئل عليه السلام عن الاستدراج فقال هو العبد يذنب الذنب فيملي له ويجدد له عنده النعم فيلهيه عن الاستغفار من الذنوب فهو مستدرج من حيث لا يعلم والآخر رفع المانع وهو قلع أسباب الاصرار عن القلب و هي الغرور وهو سكون النفس إلى اتباع الهوى الصاد عن الحق وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة وطول الأمل المنسي للآخرة وعلاجها بما يأتي في تضاعيف الأبواب الآتية وكان الثاني أولى بالتقديم لأن التخلية مقدم على التحلية والطبيب الطبيعي يبدء بالاستفراغات لقلع مادة المرض عن المزاج ثم يثني بالأدوية والأغذية المعيدة للصحة والروحاني مثله باب التدارك وهو يختلف باختلاف الجرايم المتوب عنها من حق الله وحق العبد وأصناف كل منهما بحيث لا ينتظم تحت قاعدة كلية إلا أنه في حقه (تع) لا يزيد الواجب على القضاء والكفارة بل يكتفي في بعضها
Página 27