وصفر القزم ثانية، ثم استدعى زميلا من زملائه من باطن الأرض، فصعد هذا الشبح الثاني - كما صعد الشبح الأول - ولكنها كانت يد امرأة تلك التي امتدت هذه المرة رافعة مصباحا من البهو السفلي الذي صدرت عنه هذه المناظر، وكان شبحا نسويا ذلك الذي برز متئدا من جوف الأرض، شديد الشبه بالشبح الأول في هيئته وتناسق أعضائه، وكان لباسها كذلك من الحرير الأحمر الموشى بالذهب، مهلهلا مهدبا على صورة عجيبة، كأن صاحبته قد ازينت كي تعرض نفسها في حفل من الممثلين والمشعوذين؛ وكما فعل الشبح الأول من قبل، حركت المصباح بأناقة ودقة أمام وجهها وجسمها، الذي يباري جسم الرجل دمامة وقبحا، ولكن، رغم هذا المظهر الذميم، كان في ملامحهما كليهما مسحة تدل على تنبه نادر وذكاء غير مألوف؛ هذه المسحة تراها في بريق عيون غائرة تحت أهداب غزيرة حالكة السواد، يتألق فيها ضياء لامع كذلك الذي يشع من عيون الضفادع، وكأنه بعض العوض عن قبح بليغ باد في البزة والهيئة.
لبث السير كنث مشدوها مذهولا، بينما كان هذان الشبحان القميئان يطوفان بالمعبد متلاصقين كخادمين أجيرين قد كلفا نظافة المكان؛ لم يمد كل منهما غير يد واحدة للعمل، فلبثت الأرض ولما تنتفع من هذا الجهد الضئيل الذي ثابرا عليه في حركات غير مألوفة، وطريقة عجيبة، تليق بالمظهر الشاذ الغريب الذي تبديا فيه، ولما دنوا من الفارس، وهما يؤديان هذا العمل، أوقفا مكنستيهما عن الحركة، وتجاوزا قبالة السير كنث، ثم رفعا المشعلين اللذين كانا بيديهما ثانية في أناة وتؤدة، فتهيأت له الفرصة أن يتأمل ملامحهما جليا، ولكن هذه الملامح لم تزدد جمالا في نظره بعد أن باتت على مقربة منه، وأتيحت له الفرصة كذلك أن يلحظ السرعة القصوى والحدة التي كانت عيونهما المتألقة السود تعكس بهما ضوء المصباحين، وبعد ذلك صوبا شعاع المصباحين على الفارس، وبعد أن أنعما فيه النظر، التفت كل منهما إلى الآخر، وانفجرا يقهقهان بصوت يكاد يبلغ عنان السماء، فرنت الضحكات في أذني السير كنث، وكان صداها كريها، ففزع لمسمعها وسارع بالسؤال، مستحلفا بالله، من ذا عسى أن يكون ذانك الشخصان اللذان دنسا ذلك المكان المقدس بمثل هذا التهريج وتلك الصيحات المزعجة.
فأجاب القزم الذكر في صوت يلتئم وهيئة جسيمة ، وهو بصوت غراب الليل أشبه منه بأي صوت آخر يطرق الأذن في النهار، وقال: «أنا القزم نكتابانوس.»
وأجابت الأنثى في نغم أخشن وأشد توحشا من صوت رفيقها وقالت: «وأنا جنفرا امرأته وموضع حبه.»
وسأل الفارس ثانية، ولم يكد يعتقد أنهما من أبناء البشر وقال: «وما الذي أتى بكما إلى هذا المكان؟»
فأجاب القزم الذكر متكلفا الجد والوقار وقال: «أنا الإمام الثاني عشر، أنا محمد المهدي زعيم المؤمنين ورائدهم، لي ولأتباعي ألف من الخيل المطهمة على أهبة لدى المدينة المقدسة، وألف عند «مدينة الخلاص»، أنا ذلك الرجل الذي سوف يشهد على بني الإنسان، وهذه حوراء من حوري.»
1
فقاطعته امرأته وأجابت في صوت أخشن من صوته وقالت: «أنت كذاب أشر، لست من حورك، ولست أنت رجلا منافقا من سقط المتاع كما ذكرت. هلا أخبرك من أنت يا حمار «إسخار»؟ أنت الملك «أرثر» ملك بريطانيا الذي سرقته بنات الجن من فيافي «أفالون» وفررن به، وأنا السيدة جنفرا، التي طبق صيت جمالها الآفاق.»
فقال الرجل: «أجل يا سيدي الفاضل، حقا إننا من الأمراء، أحاطت بنا الهموم ورمت بنا هنا تحت جناح الملك «جاي» ملك بيت المقدس، وقد لبثنا كذلك حتى أخرجه من مكمنه جماعة من الكفار المدنسين، اللهم أنزل عليهم من السماء الصواعق وأهلكهم جميعا.»
فانبعث صوت من الجانب الذي دخل منه الفارس من قبل، وقال: «صه! صه! أيها الغافلون، اغربوا عن هذا المكان فقد دالت دولتكم.»
Página desconocida