Tibyán
التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي
Géneros
وقوله: " واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " قيل في معناه أقوال: احدها - انه يعلم سرهم وعلانيتهم وذكر ذلك تنبيها لهم على ما يجبلهم عليه من الاستدلال، لان الاصول الاول لم يستدل بها إنما تذكر على وجه التنبيه يستخرح بها غيرها، فيستدل بعلم الغيب انه خلق عباده - على ما خلقهم عليه للاستصلاح وما توجبه الحكمة والثاني - ما يسرون بمعنى ما أضمره إبليس من المعصية والمخالفة وما يعلنون: قولهم: " اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ".
قال الرماني: وهذا الوجه غلط، لان ابليس ليس من الملائكة، ولان القول على العموم لا يجوز أن يصرف إلى الخصوص بغير دلالة وهذا الوجه اختاره الطبري وقال: هو بمنزلة قولهم: قتل الجيش وهزموا وانما قتل البعض.
قال الرماني: إنما يقال ذلك اذا حل قتل الواحد محل قتل الجميع: مثل قتل الرئيس او من يقوم مقامه ولا يقال أيضا إلا والدلالة عليه ظاهرة وليس كذلك في الآية وقد روى روايات في هذا المعنى والوجه في هذا أن إبليس لما دخل معهم في الامر بالسجود، جاز أن يستثني من جملتهم والثالث - قيل: ان الله تعالى لما خلق آدم، مرت به الملائكة قبل أن ينفخ فيه الروح، ولم تكن رأت مثله قبل، فقالت: لن يخلق الله خلقا إلا كنا اكرم منه وافضل عنده فزعم أن هذا الذي أخفوه في نفوسهم وان الذي أبدوه قولهم: " اتجعل فيها من يفسد فيها " روي ذلك عن الحسن والوجه الاول اقوى، لانه اعم، ويدخل فيه هذا الوجه ولا دلالة يقطع بها على تخصيص الآية فان قيل: ما وجه ذكره تعالى لهم الاسرار من علم الغيب.
قلنا: على وجه الجواب فيما سألوا عنه من خلق من يفسد ويسفك الدماء وذلك على وجه التعريض بالجواب دون التصريح، لانه لو صرح به، لقال: خلقت من يفسد ويسفك الدماء لما اعلم في ذلك من المصلحة لجملة عبادي فيما كلفتهم اياه وأمرتهم به فدل في الاحالة في الجواب على العلم بباطن الامور وظاهرها أنه خلقهم لاجل علمه بالمصلحة في ذلك تفسير التبيان ج1
Página 144