90

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

مُعَالَجَةُ السُّمِّ تَكُونُ بِالِاسْتِفْرَاغَاتِ، وَبِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تُعَارِضُ فِعْلَ السُّمِّ وَتُبْطِلُهُ، إِمَّا بِكَيْفِيَّاتِهَا، وَإِمَّا بِخَوَاصِّهَا، فَمَنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ، فَلْيُبَادِرْ إِلَى الِاسْتِفْرَاغِ الْكُلِّيِّ وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا، وَالزَّمَانُ حَارًّا، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي إِلَى الدَّمِ، فَتَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ، فَيَكُونُ الْهَلَاكُ، فَالدَّمُ هُوَ الْمَنْفَذُ الْمُوَصِّلُ لِلسُّمِّ إِلَى الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا بَادَرَ الْمَسْمُومُ، وَأَخْرَجَ الدَّمَ، خَرَجَتْ مَعَهُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ الَّتِي خَالَطَتْهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ، وَإِمَّا أَنْ يَضْعُفَ فَتَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتُبْطِلُ فِعْلَهُ أَوْ تُضْعِفُهُ. وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ ﷺ، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ، ظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْكَامِنِ مِنَ السُّمِّ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، وَظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [الْبَقَرَةِ: ٨٧]، فَجَاءَ بِلَفْظِ كَذَّبْتُمْ بِالْمَاضِي الَّذِي قَدْ وَقَعَ مِنْهُ، وَتَحَقَّقَ، وَجَاءَ بِلَفْظِ: «تَقْتُلُونَ» بِالْمُسْتَقْبَلِ الذي يتوقعونه وينتظرونه، والله أعلم. فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي عِلَاجِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَتْهُ الْيَهُودُ بِهِ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ هَذَا عَلَيْهِ، وَظَنُّوهُ نَقْصًا وَعَيْبًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَعْتَرِيهِ ﷺ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْأَوْجَاعِ، وَهُوَ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَإِصَابَتُهُ بِهِ كَإِصَابَتِهِ بِالسُّمِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عائشة ﵂، أَنَّهَا قَالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ

1 / 92