82

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

كَانَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ هُوَ الدَّمُ الْمُحْتَقِنُ فِي الْحَيَوَانِ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَفْقُودًا فِيمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ عَظْمِ الْمَيْتَةِ: إِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فِي الْحَيَوَانِ الْكَامِلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ، وَالْفَضَلَاتِ، وَعَدَمِ الصَّلَابَةِ، فَثُبُوتُهُ فِي الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ عَنِ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ، وَاحْتِقَانِ الدَّمِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى. وَأَوَّلُ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَقَالَ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَنْهُ تَلَقَّاهَا الْفُقَهَاءُ- وَالنَّفْسُ فِي اللُّغَةِ: يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الدَّمِ، وَمِنْهُ نَفَسَتِ الْمَرْأَةُ- بِفَتْحِ النُّونِ- إِذَا حَاضَتْ، وَنُفِسَتْ- بِضَمِّهَا- إِذَا وَلَدَتْ. وَأَمَّا الْمَعْنَى الطِّبِّيُّ، فَقَالَ أبو عبيد: مَعْنَى امْقُلُوهُ: اغْمِسُوهُ ليخرج الشفاء بضمها مِنْهُ، كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ، يُقَالُ لِلرَّجُلَيْنِ: هُمَا يَتَمَاقَلَانِ، إِذَا تَغَاطَّا فِي الْمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الذُّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ، وَالْحِكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بِسِلَاحِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الْآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ، فَيُغْمَسُ كُلُّهُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النَّافِعَةُ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا، وَهَذَا طِبٌّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ كِبَارُ الْأَطِبَّاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفَّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلَاجِ، وَيُقِرُّ لِمَنْ جَاءَ بِهِ بِأَنَّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِوَحْيٍ إِلَهِيٍّ خَارِجٍ عَنِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إِذَا دُلِكَ مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا، وَسَكَّنَهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلْمَادَّةِ الَّتِي فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ، وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي شعر العين المسمى شعرة بعد قطع رؤوس الذباب، أبرأه. فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي عِلَاجِ الْبَثْرَةِ ذَكَرَ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيّ ﷺ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ خَرَجَ فِي أُصْبُعِي بَثْرَةٌ، فَقَالَ: «عِنْدَكِ ذَرِيرَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قال:

1 / 84