78

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ سِرٌّ طِبِّيٌّ لَطِيفٌ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إِذَا تَنَاوَلَ مَا يَشْتَهِيهِ عَنْ جُوعٍ صَادِقٍ طَبِيعِيٍّ، وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ مَا، كَانَ أَنْفَعَ وَأَقَلَّ ضَرَرًا مِمَّا لَا يَشْتَهِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَافِعًا فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ صِدْقَ شَهْوَتِهِ، وَمَحَبَّةَ الطَّبِيعَةِ يَدْفَعُ ضَرَرَهُ، وَبُغْضَ الطَّبِيعَةِ وَكَرَاهَتَهَا لِلنَّافِعِ، قَدْ يَجْلِبُ لَهَا مِنْهُ ضَرَرًا. وَبِالْجُمْلَةِ: فَاللَّذِيذُ الْمُشْتَهَى تُقْبِلُ الطَّبِيعَةُ عَلَيْهِ بِعِنَايَةٍ، فَتَهْضِمُهُ عَلَى أَحْمَدِ الْوُجُوهِ، سِيَّمَا عِنْدَ انْبِعَاثِ النَّفْسِ إِلَيْهِ بِصِدْقِ الشَّهْوَةِ، وَصِحَّةِ الْقُوَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي عِلَاجِ الرَّمَدِ بِالسُّكُونِ، وَالدَّعَةِ، وَتَرْكِ الْحَرَكَةِ، وَالْحِمْيَةِ مِمَّا يَهِيجُ الرَّمَدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمَى صهيبا مِنَ التَّمْرِ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَكْلَهُ، وَهُوَ أَرْمَدُ، وَحَمَى عليا مِنَ الرُّطَبِ لَمَّا أَصَابَهُ الرَّمَدُ. وذكر أبو نعيم في كتاب «الطب النبوي»: أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا رَمِدَتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ لَمْ يَأْتِهَا حَتَّى تَبْرَأَ عَيْنُهَا. الرَّمَدُ: وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي الطَّبَقَةِ الْمُلْتَحِمَةِ مِنَ الْعَيْنِ، وَهُوَ بَيَاضُهَا الظَّاهِرُ، وَسَبَبُهُ انْصِبَابُ أَحَدِ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ رِيحٌ حَارَّةٌ تَكْثُرُ كَمِّيَّتُهَا فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ، فَيَنْبَعِثُ مِنْهَا قِسْطٌ إِلَى جَوْهَرِ الْعَيْنِ، أَوْ ضَرْبَةٌ تُصِيبُ الْعَيْنَ، فَتُرْسِلُ الطَّبِيعَةُ إِلَيْهَا مِنَ الدَّمِ وَالرُّوحِ مِقْدَارًا كَثِيرًا، تَرُومُ بِذَلِكَ شِفَاءَهَا مِمَّا عَرَضَ لَهَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَرِمُ الْعُضْوَ الْمَضْرُوبَ، وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ ضِدَّهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْجَوِّ بُخَارَانِ، أَحَدُهُمَا: حَارٌّ يَابِسٌ، وَالْآخَرُ: حَارٌّ رَطْبٌ، فَيَنْعَقِدَانِ سَحَابًا مُتَرَاكِمًا، وَيَمْنَعَانِ أَبْصَارَنَا مِنْ إِدْرَاكِ السَّمَاءِ، فَكَذَلِكَ يَرْتَفِعُ مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ إِلَى مُنْتَهَاهَا مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَمْنَعَانِ النَّظَرَ، وَيَتَوَلَّدُ عَنْهُمَا عِلَلٌ شَتَّى، فَإِنْ قَوِيَتِ الطَّبِيعَةُ عَلَى ذَلِكَ وَدَفَعَتْهُ إِلَى الْخَيَاشِيمِ، أَحْدَثَ الزُّكَامَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إِلَى اللَّهَاةِ وَالْمَنْخِرَيْنِ أَحْدَثَ الْخُنَاقَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إِلَى الْجَنْبِ، أَحْدَثَ الشَّوْصَةَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إِلَى الصَّدْرِ، أَحْدَثَ النَّزْلَةَ، وَإِنِ انْحَدَرَ إِلَى الْقَلْبِ، أَحْدَثَ الْخَبْطَةَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إِلَى الْعَيْنِ أَحْدَثَ رَمَدًا، وَإِنِ انْحَدَرَ إِلَى الْجَوْفِ،

1 / 80