274

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

وَكَذَلِكَ سَلَّطَ اللَّهُ ﷾ الرِّيحَ عَلَى قَوْمٍ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَبْقَى فِي الْعَالَمِ مِنْهَا بَقِيَّةً فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَفِي نَظِيرِهَا عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ مُقْتَضِيَاتٍ لِآثَارِهَا فِي هذا العالم اقتضاء لابد مِنْهُ، فَجَعَلَ مَنْعَ الْإِحْسَانِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْغَيْثِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ، وَجَعَلَ ظُلْمَ الْمَسَاكِينِ، وَالْبَخْسَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، وَتَعَدِّي الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ سَبَبًا لِجَوْرِ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يَرْحَمُونَ إِنِ اسْتُرْحِمُوا، وَلَا يَعْطِفُونَ إِنِ اسْتُعْطِفُوا، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَعْمَالُ الرَّعَايَا ظهرت في صورولاتهم، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ يُظْهِرُ لِلنَّاسِ أَعْمَالَهُمْ فِي قَوَالِبَ وَصُوَرٍ تُنَاسِبُهَا، فَتَارَةً بِقَحْطٍ وَجَدْبٍ، وَتَارَةً بِعَدُوٍّ، وَتَارَةً بِوُلَاةٍ جَائِرِينَ، وَتَارَةً بِأَمْرَاضٍ عَامَّةٍ، وَتَارَةً بِهُمُومٍ وَآلَامٍ وَغُمُومٍ تُحْضِرُهَا نُفُوسُهُمْ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا، وَتَارَةً بِمَنْعِ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَنْهُمْ، وَتَارَةً بِتَسْلِيطِ الشَّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ توزهم إِلَى أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَزًّا، لِتَحِقَّ عَلَيْهِمُ الْكَلِمَةُ، وَلِيَصِيرَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ، وَالْعَاقِلُ يُسَيِّرُ بَصِيرَتَهُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ، فَيُشَاهِدُهُ، وَيَنْظُرُ مَوَاقِعَ عَدْلِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الرُّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ خَاصَّةً عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ، وَسَائِرُ الْخَلْقِ عَلَى سَبِيلِ الْهَلَاكِ سَائِرُونَ، وَإِلَى دَارِ الْبَوَارِ صَائِرُونَ، وَاللُّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ:
وَقَوْلُهُ ﷺ فِي الْكَمْأَةِ «وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَاءَهَا يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُعَالَجُ بِهَا الْعَيْنُ، لَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بَحْتًا بَعْدَ شَيِّهَا، وَاسْتِقْطَارِ مَائِهَا، لِأَنَّ النَّارَ تُلَطِّفُهُ وَتُنْضِجُهُ، وَتُذِيبُ فَضَلَاتِهِ وَرُطُوبَتَهُ الْمُؤْذِيَةَ، وَتُبْقِي الْمَنَافِعَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِمَائِهَا الْمَاءُ الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنَ الْمَطَرِ، وَهُوَ أَوَّلُ قَطْرٍ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إِضَافَةَ اقْتِرَانٍ، لَا إِضَافَةَ جُزْءٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ أَبْعَدُ الوجوه وأضعفها.

1 / 276