257

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

وَأَخْطَأَ مَنْ قَدَّمَهُ عَلَى الْمِسْكِ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ أَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمِسْكِ: «هُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ» «١»، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْخَصَائِصِ وَالْمَنَافِعِ الَّتِي خُصَّ بِهَا الْمِسْكُ، حَتَّى إِنَّهُ طِيبُ الْجَنَّةِ، وَالْكُثْبَانُ الَّتِي هِيَ مَقَاعِدُ الصِّدِّيقِينَ هُنَاكَ مِنْ مِسْكٍ لَا مِنْ عَنْبَرٍ.
وَالَّذِي غَرَّ هَذَا الْقَائِلَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ التَّغَيُّرُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ، فَهُوَ كَالذَّهَبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْمِسْكِ، فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقَاوِمُ مَا فِي الْمِسْكِ مِنَ الْخَوَاصِّ.
وَبَعْدُ فَضُرُوبُهُ كَثِيرَةٌ، وَأَلْوَانُهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُ الْأَبْيَضُ وَالْأَشْهَبُ، وَالْأَحْمَرُ، وَالْأَصْفَرُ، وَالْأَخْضَرُ وَالْأَزْرَقُ، وَالْأَسْوَدُ، وَذُو الْأَلْوَانِ. وَأَجْوَدُهُ: الْأَشْهَبُ، ثُمَّ الْأَزْرَقُ، ثُمَّ الْأَصْفَرُ، وَأَرْدَؤُهُ: الْأَسْوَدُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عُنْصُرِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ نَبَاتٌ يَنْبُتُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، فَيَبْتَلِعُهُ بَعْضُ دَوَابِّهِ، فَإِذَا ثَمِلَتْ مِنْهُ قَذَفَتْهُ رَجِيعًا، فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ إِلَى سَاحِلِهِ.
وَقِيلَ طَلٌّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَتُلْقِيهِ الْأَمْوَاجُ إِلَى السَّاحِلِ،
وَقِيلَ: رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ تُشْبِهُ الْبَقَرَةَ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ جُفَاءٌ مِنْ جُفَاءِ الْبَحْرِ، أَيْ: زَبَدٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ «الْقَانُونِ»: هُوَ فِيمَا يُظَنُّ يَنْبُعُ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ، وَالَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ زَبَدُ الْبَحْرِ، أَوْ رَوْثُ دَابَّةٍ بَعِيدٌ انْتَهَى.
وَمِزَاجُهُ حَارٌّ يَابِسٌ، مُقَوٍّ لِلْقَلْبِ، وَالدِّمَاغِ، وَالْحَوَاسِّ، وَأَعْضَاءِ الْبَدَنِ، نَافِعٌ مِنَ الْفَالِجِ وَاللَّقْوَةِ، وَالْأَمْرَاضِ الْبَلْغَمِيَّةِ، وَأَوْجَاعِ الْمَعِدَةِ الْبَارِدَةِ، وَالرِّيَاحِ الْغَلِيظَةِ، وَمِنَ السُّدَدِ إِذَا شُرِبَ، أَوْ طُلِيَ بِهِ مِنْ خَارِجٍ، وَإِذَا تُبُخِّرَ بِهِ، نفع من الزّكام والصداع، والشقيقة الباردة.

(١) أخرجه مسلم والترمذي.

1 / 259