Medicina Profética
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Editorial
دار الهلال
Número de edición
-
Ubicación del editor
بيروت
النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ، فَلْيَتْرُكْهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا خَشْيَةً، وَإِمَّا فَوَاتَ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ، وَأَنْفَعُ لَهُ، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْهُ، وَأَدْوَمُ لَذَّةً وَسُرُورًا، فَإِنَّ الْعَاقِلَ مَتَى وَازَنَ بَيْنَ نَيْلِ مَحْبُوبٍ سَرِيعِ الزَّوَالِ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَدْوَمَ، وَأَنْفَعَ، وَأَلَذَّ أَوْ بِالْعَكْسِ، ظَهَرَ لَهُ التَّفَاوُتُ، فَلَا تَبِعْ لَذَّةَ الْأَبَدِ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا بِلَذَّةِ سَاعَةٍ تَنْقَلِبُ آلَامًا، وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا أَحْلَامُ نَائِمٍ، أَوْ خَيَالٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ، فَتَذْهَبُ اللَّذَّةُ، وَتَبْقَى التَّبِعَةُ، وَتَزُولُ الشَّهْوَةُ، وَتَبْقَى الشِّقْوَةُ.
الثَّانِي: حُصُولُ مَكْرُوهٍ أَشَقُّ عَلْيِهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، بَلْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ، أَعْنِي: فَوَاتَ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ، وَحُصُولَ مَا هُوَ أَكْرَهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ فِي إِعْطَاءِ النَّفْسِ حَظَّهَا مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ، وَرَأَى أَنَّ صَبْرَهُ عَلَى فَوْتِهِ أَسْهَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهِمَا بِكَثِيرٍ، فَعَقْلُهُ وَدِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ وَإِنْسَانِيَّتُهُ، تَأْمُرُهُ بِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَنْقَلِبُ سَرِيعًا لَذَّةً وَسُرُورًا وَفَرَحًا لِدَفْعِ هَذَيْنِ الضَّرَرَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ. وَجَهْلُهُ وَهَوَاهُ، وَظُلْمُهُ وَطَيْشُهُ، وَخِفَّتُهُ يَأْمُرُهُ بِإِيثَارِ هَذَا الْمَحْبُوبِ الْعَاجِلِ بِمَا فِيهِ جَالِبًا عَلَيْهِ مَا جَلَبَ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.
فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدَّوَاءَ، وَلَمْ تُطَاوِعْهُ لِهَذِهِ الْمُعَالَجَةِ، فَلْيَنْظُرْ مَا تَجْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الشَّهْوَةُ مِنْ مَفَاسِدِ عَاجِلَتِهِ، وَمَا تَمْنَعُهُ مِنْ مَصَالِحِهَا، فَإِنَّهَا أَجْلَبُ شَيْءٍ لِمَفَاسِدِ الدُّنْيَا، وَأَعْظَمُ شَيْءٍ تَعْطِيلًا لِمَصَالِحِهَا، فَإِنَّهَا تَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رُشْدِهِ الَّذِي هُوَ مِلَاكُ أَمْرِهِ، وَقِوَامُ مَصَالِحِهِ.
فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدَّوَاءَ، فَلْيَتَذَكَّرْ قَبَائِحَ الْمَحْبُوبِ، وَمَا يَدْعُوهُ إِلَى النُّفْرَةِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ طَلَبَهَا وَتَأَمَّلَهَا، وَجَدَهَا أَضْعَافَ مَحَاسِنِهِ الَّتِي تدعوا إِلَى حُبِّهِ، وَلْيَسْأَلْ جِيرَانَهُ عَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ منها، فإن المحاسن كما هي داعية الحب والإرادة، فالمساوىء دَاعِيَةُ الْبُغْضِ وَالنُّفْرَةِ، فَلْيُوَازِنْ بَيْنَ الدَّاعِيَيْنِ، وَلْيُحِبَّ أسبقهما وأقربهما منه بَابًا، وَلَا يَكُنْ مِمَّنْ غَرَّهُ لَوْنُ جَمَالٍ عَلَى جِسْمٍ أَبْرَصَ مَجْذُومٍ وَلْيُجَاوِزْ بَصَرُهُ حُسْنَ الصُّورَةِ إِلَى قُبْحِ الْفِعْلِ، وَلْيَعْبُرْ مِنْ حُسْنِ الْمَنْظَرِ وَالْجِسْمِ إِلَى قُبْحِ الْمَخْبَرِ وَالْقَلْبِ.
فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا لَمْ يَبْقَ له إلا صدق الملجأ إِلَى مَنْ يُجِيبُ
1 / 206