Medicina Profética
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Editorial
دار الهلال
Número de edición
-
Ubicación del editor
بيروت
وَقَوْلُهُ: «أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ»، أَيْ: جَعَلْتُهَا مُسَلَّمَةً لَكَ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ نَفْسَهُ إِلَى سَيِّدِهِ وَمَالِكِهِ. وَتَوْجِيهُ وَجْهِهِ إِلَيْهِ يَتَضَمَّنُ إِقْبَالَهُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى رَبِّهِ، وَإِخْلَاصَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ لَهُ، وَإِقْرَارَهُ بِالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ وَالِانْقِيَادِ، قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ، وَمَنِ اتَّبَعَنِ «١» وَذَكَرَ الْوَجْهَ إِذْ هُوَ أَشْرَفُ مَا فِي الانسان، ومجمع الحواس، وأيضا ففيه معنى الوجه وَالْقَصْدِ مِنْ قَوْلِهِ:
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ سُكُونَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ، وَالرِّضَى بِمَا يَقْضِيهِ وَيَخْتَارُهُ لَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَالتَّفْوِيضُ مِنْ أَشْرَفِ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا عِلَّةَ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الْخَاصَّةِ خِلَافًا لِزَاعِمِي خِلَافِ ذَلِكَ.
وَإِلْجَاءُ الظَّهْرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ يَتَضَمَّنُ قُوَّةَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةَ بِهِ، وَالسُّكُونَ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ، لَمْ يَخَفِ السُّقُوطَ.
وَلَمَّا كَانَ لِلْقَلْبِ قُوَّتَانِ: قُوَّةُ الطَّلَبِ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ، وَقُوَّةُ الْهَرَبِ، وَهِيَ الرَّهْبَةُ، وَكَانَ الْعَبْدُ طَالِبًا لِمَصَالِحِهِ، هَارِبًا مِنْ مَضَارِّهِ، جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَا التَّفْوِيضِ وَالتَّوَجُّهِ، فَقَالَ: رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، بِأَنَّهُ لَا مَلْجَأَ لِلْعَبْدِ سِوَاهُ، وَلَا مَنْجَا لَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ لِيُنَجِّيَهُ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ،
(١) آل عمران- ٢٠.
1 / 183