177

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَكَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، فَيَنَامُ إِذَا دَعَتْهُ الْحَاجَةُ إِلَى النَّوْمِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ذَاكِرًا اللَّهَ حَتَّى تَغْلِبَهُ عيناه، غير ممتلىء الْبَدَنِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَا مُبَاشِرٍ بِجَنْبِهِ الْأَرْضَ، وَلَا مُتَّخِذٍ لِلْفُرُشِ الْمُرْتَفِعَةِ، بَلْ لَهُ ضِجَاعٌ مَنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ، وَكَانَ يَضْطَجِعُ عَلَى الْوِسَادَةِ، وَيَضَعُ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ أَحْيَانًا. وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَصْلًا فِي النَّوْمِ وَالنَّافِعِ مِنْهُ وَالضَّارِّ، فَنَقُولُ: النَّوْمُ حَالَةٌ لِلْبَدَنِ يَتْبَعُهَا غَوْرُ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَالْقُوَى إِلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ لِطَلَبِ الرَّاحَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: طَبِيعِيٌّ وَغَيْرُ طَبِيعِيٍّ. فَالطَّبِيعِيُّ: إِمْسَاكُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا، وَهِيَ قُوَى الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ، وَمَتَى أَمْسَكَتْ هَذِهِ الْقُوَى عَنْ تَحْرِيكِ الْبَدَنِ اسْتَرْخَى، وَاجْتَمَعَتِ الرُّطُوبَاتُ وَالْأَبْخِرَةُ الَّتِي كَانَتْ تَتَحَلَّلُ وَتَتَفَرَّقُ بِالْحَرَكَاتِ وَالْيَقَظَةِ فِي الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ هَذِهِ الْقُوَى، فَيَتَخَدَّرُ وَيَسْتَرْخِي، وَذَلِكَ النَّوْمُ الطَّبِيعِيُّ. وَأَمَّا النَّوْمُ غَيْرُ الطَّبِيعِيِّ، فَيَكُونُ لِعَرَضٍ أَوْ مَرَضٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَوْلِيَ الرُّطُوبَاتُ عَلَى الدِّمَاغِ اسْتِيلَاءً لَا تَقْدِرُ الْيَقَظَةُ عَلَى تَفْرِيقِهَا، أَوْ تَصْعَدُ أَبْخِرَةٌ رَطْبَةٌ كَثِيرَةٌ كَمَا يَكُونُ عَقِيبَ الِامْتِلَاءِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَتُثْقِلُ الدِّمَاغَ وَتُرْخِيهِ، فَيَتَخَدَّرُ، وَيَقَعُ إِمْسَاكُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا، فَيَكُونُ النَّوْمُ. وَلِلنَّوْمِ فَائِدَتَانِ جَلِيلَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَرَاحَتُهَا مِمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ التَّعَبِ، فَيُرِيحُ الْحَوَاسَّ مِنْ نَصَبِ الْيَقَظَةِ، وَيُزِيلُ الْإِعْيَاءَ وَالْكَلَالَ. وَالثَّانِيَةُ: هَضْمُ الْغِذَاءِ، وَنُضْجُ الْأَخْلَاطِ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ تَغُورُ إِلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ، فَتُعِينُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَبْرُدُ ظَاهِرُهُ وَيَحْتَاجُ النَّائِمُ إِلَى فَضْلِ دِثَارٍ. وَأَنْفَعُ النَّوْمِ: أَنْ يَنَامَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، لِيَسْتَقِرَّ الطَّعَامُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ في

1 / 179