يتكون هذا الكتاب من جزأين؛ يتحدث الأول عن البالغين الثنائيي اللغة، ويختص الثاني بالأطفال الثنائيي اللغة. ينقسم كل جزء إلى فصول قصيرة تشرح الجوانب المختلفة للشخص الثنائي اللغة. في الجزء الأول، أستعرض أسباب كون الأشخاص ثنائيي اللغة ومدى الثنائية اللغوية؛ ثم أصف الثنائيي اللغة من حيث الطلاقة اللغوية واستخدام اللغة، وأنظر في الوظائف المختلفة للغات الأشخاص الثنائيي اللغة. هذا وأخصص ثلاثة فصول للحديث عن طريقة تكييف الأشخاص الثنائيي اللغة لإنتاجهم اللغوي مع الموقف ومع الذين يتعاملون معهم - من الأشخاص الثنائيي اللغة الآخرين أو الأحاديي اللغة - وأتحدث عن سلوكيات متعلقة بالثنائية اللغوية؛ مثل: التبديل اللغوي، والاقتباس، والتداخل. بعد ذلك أخصص فصلا للحديث عن معنى أن تكون للفرد لكنة في لغة واحدة أو العديد من اللغات، وهو في الواقع أمر طبيعي جدا بالنسبة إلى ثنائي اللغة. ثم أتناول تطور معرفة الأشخاص الثنائيي اللغة بلغاتهم طوال فترة حياتهم؛ فأوضح كيف تزيد وتخبو المعرفة باللغات المختلفة واستخدامها بناء على الحاجة المتغيرة. يعرض الفصل التالي مواقف ومشاعر الأشخاص الثنائيي اللغة، والأحاديي اللغة أيضا، تجاه الثنائية اللغوية. يليه فصل عن الثنائية الثقافية، وهي ظاهرة لا ترتبط تلقائيا بالثنائية اللغوية، ولكنها تفرض نفسها على حياة كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة. تعقب هذا مناقشة لشخصية الثنائيي اللغة، وكيف يفكرون ويحلمون، وكيف يعبرون عن مشاعرهم بإحدى لغاتهم أو بها جميعا. يتحدث الفصلان الأخيران في الجزء الأول عن الكتاب الثنائيي اللغة وغيرهم من الأشخاص الثنائيي اللغة «المميزين». لقد وصفت، على مر السنوات، الأشخاص الثنائيي اللغة العاديين ودافعت عنهم، وفي هذا الكتاب أواصل عمل ذلك؛ حيث إنهم يشكلون الغالبية العظمى من الثنائيي اللغة. إلا أنني قررت أيضا الحديث عن الثنائيي اللغة المميزين، والاستثنائيين أحيانا؛ معلمي اللغات والمترجمين التحريريين والشفويين والمشاهير من الثنائيي اللغة، وحتى العملاء السريين، بالإضافة إلى المؤلفين الثنائيي اللغة الذين يكتبون أعمالا أدبية بلغتهم الثانية أو بلغتيهم كلتيهما، وهو شيء مبهر في حقيقة الأمر.
أشرح في الجزء الثاني كيف يكتسب الأطفال الثنائية اللغوية ويتخلون عنها بسرعة كبيرة، وكيف أن هذا يعتمد إلى حد كبير على احتياجهم للغات التي يتعاملون معها. ثم أشرح الطرق التي يتحول بها الطفل إلى ثنائي اللغة، مثل اكتساب لغتين معا في مرحلة الطفولة، أو اكتساب لغة واحدة في مرحلة الطفولة ثم لغة ثانية في مرحلة تالية. أتبع هذا بفصل يتحدث عن الجوانب اللغوية للثنائية اللغوية في مرحلة الطفولة، وأناقش فيه سيادة إحدى اللغات، والتكيف مع الوضع اللغوي، و«الخلط» بين اللغات، وتصرف الأطفال الثنائيي اللغة مثل المترجمين الشفويين، وطريقة لعب الأطفال الثنائيي اللغة باللغات. كما أخصص فصلا للحديث عن الاستراتيجيات التي يمكن للعائلات تطبيقها لضمان أن يصبح أطفالهم ثنائيي اللغة؛ وعن الدعم الذي لا بد أن يحصلوا عليه هم وأطفالهم من أجل الحفاظ على لغاتهم الأصلية. وثمة فصل كامل عن آثار الثنائية اللغوية على نمو الأطفال يجيب عن سؤال يوجد في أذهان كثير من الآباء. هذا، وأستعرض المشكلات التي توجد في الدراسات السابقة عن الثنائية اللغوية، وما وصلت إليه الأبحاث في يومنا هذا، وأتحدث قليلا عن الأطفال الثنائيي اللغة واضطرابات اللغة. وأتحدث في الفصل الأخير عن التعليم والثنائية اللغوية، وأستعرض برامج لا يهدف فيها التعليم لاكتساب ثنائية لغوية، وأخرى يكون هذا هو أحد أهدافها.
ما الاختلاف بين هذا الكتاب الجديد وكتاب «الحياة مع لغتين»؟ أولا: هذا الكتاب أقصر، ويغطي جوانب محددة فقط للثنائية اللغوية؛ فيركز على البالغين والأطفال، فهذا الكتاب لا يتحدث مثلا عن الجوانب السياسية والديموغرافية والاجتماعية للثنائية اللغوية. ثانيا: ألفت هذا الكتاب ليكون سهل الفهم لقاعدة عريضة من القراء العاديين وليس فقط للطلاب والمختصين؛ ومن ثم فإن الفصول صارت أقصر، وأصبحت الإشارات أقل إلى الأعمال البحثية، وصار التركيز أقل على موضوعات متخصصة - بعضها ضمن نطاق تخصصي - مثل الجوانب الإدراكية واللغوية العصبية للثنائية اللغوية، أو نماذج المعالجة الثنائية اللغة. ثالثا: مر أكثر من 25 سنة على نشر كتابي «الحياة مع لغتين»، وتطورت طريقة تفكيري في بعض الموضوعات؛ إجمالا، يمكنني القول إن الكتابين مكملان كل منهما للآخر؛ فقد يرغب القارئ الذي ينتهي من قراءة هذا الكتاب ويكون مهتما بمعرفة المزيد، في الاطلاع على الكتاب الآخر الذي يغطي المزيد من الموضوعات، وهو الأكثر تفصيلا بالتأكيد، ويقدم المزيد من الإفادات الشخصية من أناس ثنائيي اللغة.
وتماما مثلما فعلت في كتاب «الحياة مع لغتين»، أترك في هذا الكتاب الفرصة لثنائيي اللغة للحديث بأنفسهم عن خبراتهم الشخصية بشأن الحياة مع لغتين وثقافتين أو أكثر. أدرجت أيضا بعض الاقتباسات القصيرة من أعمال لمؤلفين ثنائيي اللغة، مثل: إيفا هوفمان، ونانسي هيوستن، وريتشارد رودريجيز، وأوليفيه تود؛ إذ إن موهبة التأليف لديهم تسمح لهم باستخدام الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعرهم وخبراتهم مع الثنائية اللغوية التي مر بها كثير منا.
تمتد المراجع العلمية التي أستشهد بها في هذا الكتاب إلى عدة عقود، على الرغم من أن الغالبية العظمى منها حديثة للغاية. ما السبب وراء هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ وما سبب الاستشهاد ببعض المراجع الأقدم؟ الإجابة بسيطة؛ فقد أصبح لدراسة الثنائية اللغوية الآن تاريخ طويل، ومن المهم ذكر الأعمال الكلاسيكية لبعض من أوائل الباحثين في هذا المجال، مثل: أينار هوجن، وأوريل فاينريش، وويليام ماكي، ووالاس لامبرت، وغيرهم؛ فقد مهدوا الطريق أمام العلماء من جيلي والأجيال التالية عليه. ومع هذا، فأنا في الحقيقة لا أكثر من الاستشهاد في هذا الكتاب؛ إذ لا أريد إدراج الكثير من الإحالات داخل الفصول، ويمكن للقراء الذين يريدون التعمق أكثر في جوانب معينة من الثنائية اللغوية الرجوع إلى أعمالي السابقة، بالإضافة إلى الكثير من الكتب التقديمية والأكثر تخصصا الأخرى التي تتحدث عن الموضوع.
الجزء الأول
البالغون الثنائيو اللغة
الفصل الأول
لماذا يصبح الناس ثنائيي اللغة؟
من قبيل الفضول، بحثت في محرك البحث جوجل عن مصطلح «ثنائي اللغة»، وظهر لي عدد هائل من النتائج (ربما يكون هذا العدد قد زاد عند قراءتك لهذا الكتاب). بحثت بعد ذلك عن أساليب استخدام هذا المصطلح، ووجدته يستخدم في سياقات القواميس الثنائية اللغة، والمهن الثنائية اللغة، والأشخاص الثنائيي اللغة، والقوانين الثنائية اللغة، والدول الثنائية اللغة، والكتب الثنائية اللغة، والألعاب الثنائية اللغة، والدراسات الثنائية اللغة، والاقتراع الثنائي اللغة، وقواعد البيانات الثنائية اللغة، والمدارس الثنائية اللغة، وما إلى ذلك. وبينما كنت أتصفح القائمة (لقد توقفت بعد بضع صفحات)، اتضح لي أن هذا المصطلح يستخدم بكثير من الطرق المختلفة، مثل: «الذين يعرفون ويستخدمون لغتين» (إشارة إلى الأشخاص الثنائيي اللغة)، أو «الذي يعرض بلغتين» (الكتب الثنائية اللغة والاقتراع الثنائي اللغة)، أو «الذي يحتاج إلى لغتين» (المهن الثنائية اللغة)، أو «الذي يعترف بلغتين» (الدول الثنائية اللغة)، أو «الذي ينتقل من لغة إلى أخرى» (القواميس الثنائية اللغة). اتضح لي أيضا أن بعض المصطلحات غير واضحة؛ فهل المدرسة الثنائية اللغة، على سبيل المثال، هي مدرسة تضم وترعى أفرادا أحاديي اللغة ينتمون للغتين مختلفتين، أم أنها مدرسة تستخدم لغتين في التدريس، أم أنها مدرسة تشجع الثنائية اللغوية لدى الأطفال المنضمين إليها؟ إن الرسالة المستفادة من كل هذا هي أنه يجب علينا أن نتوخى الحذر عند تفسير مصطلح «ثنائي اللغة» عندما نراه أو نسمعه.
Página desconocida