عند بداية وصولنا، كان عمر سيرل، ابننا الأكبر والوحيد في ذلك الوقت، سنتين تقريبا، وكان يحرز تقدما جيدا في تعلم اللغة الفرنسية. وظلت اللغة الفرنسية، لبعض الوقت بعد وصولنا، لغة التواصل الوحيدة داخل المنزل، لكن بدأت الإنجليزية تغير علينا، من خلال الأصدقاء الأمريكيين وبرامج الأطفال التليفزيونية ... بدأ سيرل يذهب إلى مركز رعاية نهارية، ومن ثم بدأ في تعلم الإنجليزية، ولم يمض وقت طويل حتى بدأ يتحدثها مع الفرنسية داخل البيت. كنا بالطبع لا نتحدث معه إلا بالفرنسية، ونصر على أن يجيبنا بالفرنسية، لكن أصبح تطبيق هذا الأمر صعبا عندما كان أصدقاؤه يأتون للعب معه في المنزل؛ كما أصبح الحديث بلغة والحصول على إجابة بلغة أخرى أمرا مرهقا، وبالتدريج بدأنا نرد عليه بالإنجليزية. وبمرور الوقت قل كثيرا استخدام سيرل للفرنسية معنا، وأصبح ببطء أحادي اللغة في الإنجليزية.
14
يتعلق العامل الأخير المقترح بالشكل بمواقف الناس تجاه اللغة والثقافة اللتين بحاجة إلى دعم، بالإضافة إلى المواقف تجاه الثنائية اللغوية. يتأثر الأطفال بشدة بمواقف والديهم ومعلميهم وأقرانهم. إليك ما أخبرني به أحد الأشخاص عن التحيز السلبي الموجود لدى البلجيكيين المتحدثين بالفرنسية تجاه اللغة الفلمنكية، وهي لغة تدرس في المدارس التي تتحدث بالفرنسية، لكن يبدو ببساطة أن الأطفال لا يستطيعون تعلمها جيدا:
يوجد عادة تحيز يتعلق بالمرحلة المبكرة من تعليمنا، بسبب حقيقة أن والدينا ينقلون إلينا أحكامهم المسبقة تجاه المجموعة الأخرى؛ لذا من الصعب أحيانا أن يوجد لدينا دافع لتعلم اللغة الأخرى. هذا بالإضافة إلى أن الذين يتحدثون الفرنسية يكون لديهم عدم رغبة بشكل كبير في تعلم الفلمنكية؛ إذ إن الأماكن الوحيدة التي يمكنهم استخدامها فيها هي بلجيكا وهولندا.
15
من الواضح أن المواقف السلبية تجاه إحدى اللغات وثقافتها، وعدم الحاجة إلى هذه اللغة، على الأقل في السن الصغيرة؛ يقللان احتمالات اكتساب الطفل لهذه اللغة.
أما فيما يتعلق بالمواقف تجاه الثنائية اللغوية، فإن المرء يندهش من مدى قلة ما يعرفه الناس عنها، ومن الأفكار المسبقة التي توجد لديهم عن معناها؛ عرضت بعضا من هذه الخرافات وناقشتها على مدار الكتاب. وتوجد لدى الناس أيضا معتقدات مسبقة عن الأطفال والثنائية اللغوية؛ والخرافة التالية هي أحد هذه المعتقدات:
خرافة: يكون للغة المستخدمة في المنزل تأثير سلبي على اكتساب لغة المدرسة عندما تكون لغة مختلفة
هذا معتقد خاطئ تماما؛ فعلى العكس، يمكن أن تستخدم لغة المنزل كأساس لغوي لاكتساب جوانب من اللغة الأخرى. وهي تعطي الأطفال أيضا لغة معروفة يتواصلون بها (مع الوالدين ومسئولي الرعاية وربما المعلمين)، بينما يكتسبون اللغة الأخرى. في كتاب «نهم الذاكرة»، يحكي المؤلف ريتشارد رودريجيز كيف جاءت الراهبات من مدرسته الكاثوليكية إلى منزله لتطلب من والديه التوقف عن استخدام اللغة الإسبانية معه. يحدث مثل هذا الأمر كثيرا لأن النصيحة التي يقدمها المختصون، بنية طيبة في كثير من الأحيان، بشأن الثنائية اللغوية، لا تعتمد دوما على حقائق علمية. رضخ والدا ريتشارد رودريجيز للأمر، ولم يكتمل تطور اللغة الإسبانية لديه قط بينما كان من الممكن أن يجيد كلتا لغتيه، حديثا وكتابة. وكان والداه مثل كثير من الآباء الذين «يتخلون عن لغة المنزل»، ثم يضطرون لتفسير سبب كون أطفالهم لم يعدوا قادرين على الحديث بها لأفراد أسرتهم. يقول رودريجيز في هذا الشأن:
كان والدي لشعورهما بالإحراج يضطران دوما إلى تفسير عدم قدرة أطفالهما على التحدث بالإسبانية بطلاقة خلال هذه السنوات. فواجهت والدتي غضب أخيها الوحيد عندما جاء من المكسيك في صيف إحدى السنوات مع أسرته. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها أبناء وبنات أخته، وبعدما استمع إلى حديثي نظر بعيدا وقال إنه لأمر مخز أنني لا أستطيع التحدث بالإسبانية
Página desconocida