لنعد إلى مثال هيلدجارد لنرى مدى اتفاقه مع عامل الحاجة؛ فقد كانت هيلدجارد بحاجة إلى التواصل مع والديها؛ لذا اكتسبت لغتين، على الرغم من أن الإنجليزية أصبحت هي اللغة السائدة نظرا لحياتها في الولايات المتحدة. لكنها عندما عادت إلى ألمانيا، كانت بحاجة إلى الألمانية أكثر، وأصبحت الألمانية هي اللغة السائدة. وعند عودتها إلى الولايات المتحدة، عادت السيادة للغة الإنجليزية مرة أخرى.
ماذا عن نسيان اللغة؟ من الواضح أن ستيفن شعر بأنه لم يعد بحاجة إلى اللغة الجاروية عندما ترك الهند، وكان يعلم أن والده، الفرد الوحيد في أسرته الذي يتحدث بالجاروية، يتحدث بالإنجليزية أيضا، وشعر - بالطبع دون وعي - بأنه ليس بحاجة إلى الاحتفاظ بها من أجل إرضائه فحسب. لا يحب الأطفال الادعاء عندما يتعلق الأمر بشيء بالغ الأهمية مثل اللغة التي يستخدمونها مع والديهم. بالنسبة إلى كاي فونج، فبعد تعرضه لبداية صعبة في المدرسة، كان بحاجة إلى التأقلم مع بلده الجديد، ووجد أنه يشعر مع أصدقائه الذين يتحدثون الإنجليزية براحة أكبر من الراحة التي يجدها في المنزل؛ لذا تخلى عن اللغة الكانتونية، حتى إن كان هذا يعني عدم القدرة على التواصل مع بعض أفراد أسرته؛ فقد كانت ببساطة الحاجة إلى الإنجليزية أكبر بكثير من الحاجة إلى الكانتونية.
نرى في الشكل
14-1
أن العوامل الأخرى التي تلعب دورا في مستوى اكتساب اللغة مذكورة على اليمين. سأستعرضها وأعطي بعض الأمثلة عليها. أولا: يحتاج الأطفال إلى قدر معين من المدخلات في اللغة حتى يكتسبوها. تؤكد أنيك دي هاور، إحدى الاختصاصيات الشهيرات في الثنائية اللغوية لدى الأطفال، على حقيقة أنه حتى «يكتسب» الأطفال إحدى اللغات، يجب أن تتوافر لهم مدخلات لغوية في مواقف متنوعة من أشخاص مهمين لهم؛ مثل: الوالدين، ومسئولي الرعاية، وأعضاء الأسرة الكبيرة، والأصدقاء، وما إلى ذلك.
12
ثانيا: إن نوع المدخلات التي يحصل عليها الأطفال مهم أيضا؛ فلا بد من استخدام الكلام الثنائي اللغة الذي يحتوي على عمليات تبديل لغوي واقتباس داخل الأسرة، لكن إذا أمكن التوصل إلى سبل نقدم فيها للأطفال فترات من المدخلات «الأحادية اللغة»، على نحو طبيعي قدر الإمكان، فإن هذا يكون أفضل. أحيانا يمكن أن يؤدي الدور الأحادي اللغة أحد أفراد الأسرة الكبيرة الذي لا يعرف اللغة الأخرى، أو مسئولو الرعاية الأحاديو اللغة (على سبيل المثال: في مركز الرعاية النهارية أو الحضانة). يوجد نوع آخر من المدخلات، وهو اللغة المكتوبة؛ فتؤكد أنيك دي هاور على أهمية القراءة للأطفال؛ إذ إنها أحد المصادر الممتازة للمفردات والمعلومات الثقافية التي قد لا يحصلون عليها في بيئتهم العادية. فيما بعد، إذا تعلم الأطفال القراءة باللغة المعنية، فسيكون من المهم تخصيص أوقات للقراءة الشخصية.
13
يتمثل العامل الثالث في دور الأسرة. سنتحدث عن هذا في فصل لاحق؛ لذا يكفي أن نقول هنا إنه إذا أمكن يجب أن يدرك الوالدان ومسئولو الرعاية ما يمر به أطفالهم في أثناء اكتسابهم (أو فقدانهم) إحدى اللغات؛ فيجب عليهم اتباع استراتيجيات عائلية تدعم لغة المنزل إذا كانت لغة الأقلية، وإذا كانت مهددة بأن تحل محلها لغة الأغلبية المستخدمة خارج المنزل. كذلك فإن المدخلات من أفراد الأسرة الكبيرة والأصدقاء الذين يستخدمون اللغة نفسها، تكون لها قيمة كبيرة ويبدو للأطفال أن استخدام هذه اللغة أمر طبيعي جدا.
يعتبر كذلك دور المدرسة والمجتمع الأكبر مهما للغاية لاكتساب الطفل إحدى اللغات. على الرغم من أنني سأتحدث عن الثنائية اللغوية والتعليم في فصل قادم، فإنه يجب علي أن أؤكد على مدى أهمية المدارس والمجتمعات في اكتساب إحدى اللغات، أو فقدانها؛ فإذا لم تحصل لغة الأقلية على دعم في المدرسة أو في المجتمع، فسيوجد احتمال كبير أن تقل أهميتها، هذا إن لم تنح جانبا ببساطة، خاصة إذا كانت لغة الأغلبية موجودة في كل جانب من جوانب حياة الطفل. إليك ما ورد عن زوجين فرنسيين شابين بشأن ابنهما، الذي فقد لغته الفرنسية بعد أقل من سنة من انتقالهم إلى الولايات المتحدة:
Página desconocida