وظل رانيا إليها، وكالحلم الجميل يخشى صاحبه أن يستيقظ فلا يراه، خشي خيري أن يصرفها من وقفتها هذا شيء، خشي ألا يراها، خشي أن تذكر شيئا وتتركه، خشية داخلت نفسه، فألحت وملأت جوانح تفكيره طنينا عاليا، خشي أن تنصرف فراح يفكر في شيء يبقيها إلى جانبه، ماذا يمكن أن يبقيها إلى جانبه؟ حديث، أي حديث يستطيع أن يحرك به لسانه؟ وأي لسان يحرك؟ ولكن لا بد مما ليس منه بد، فليفكر في موضوع الحديث أولا وعند الحديث يعينه الذي لا تغفل له عين، أي حديث يمكن أن يحادثها فيه؟ وعاده الصوت المنغوم: أتريده حضرتك في شيء؟!
وانتبه خيري قائلا: من؟
وقالت دولت في فرح أن استطاعت أن تخلب لبه وتلهيه عن طلبته الأولى: حامد، حامد أخي، ألم تقل إنك تريده؟
وصحا خيري وتذكر أنه يريد حامد، وفي تذكره وجد موضوع الحديث الذي يهفو إليه: آه، نعم، أريده طبعا، أريده في موضوع خاص بك. - بي أنا؟ - نعم بك أنت.
واقتربت منه وقد تكلفت الاهتمام تكلفا يتيح لها أن تدنو وتنعم بعينيها في عينيه، وتوسع من جفونها وتعيد قولها: ماذا ... ماذا ...؟
وانتهز خيري فرصة هذا الاقتراب وأجلس دولت إلى كرسي بجواره وهو يقول: اقعدي أولا. - ها أنا ذي قعدت، ماذا؟
وراح خيري يقص عليها قصة فايزة، ودون أن يحس وجد دمعات تفيض من عينيه، إن المصيبة قديمة على البكاء، ولكنها كانت المرة الأولى التي يرويها فيها فبكى. لقد استقبل المصيبة ولم يكن مصدرا لروايتها إلا اليوم، فأحس لذعة الكارثة وكأنها شيء جديد. وعجب خيري حين رأى دمعات أخرى تنحدر على خدي دولت، ولكنه سرعان ما تمالك أمر نفسه وهو يقول: آسف لم أقصد. - لا عليك. - هذه هي المسألة. - وما شأن أخي أو أنا بهذا؟ - كان أخوك عند ... عندنا وعرفنا منه أنك تريدين أن تعملي. - نعم. - هل عندك مانع أن تكوني شبه مرافقة لهذه البنت المسكينة؟
ونظرت إليه مليا وقالت: تقصد مربية؟ - عندها مربية، أقصد الكلمة التي قلتها تماما، مرافقة.
وظلت دولت تنظر إليه ثم قالت: وهل سأراك هناك؟ - طبعا.
وأطرقت دولت هنيهة ثم قالت: على كل حال الأمر لأخي. - أعلم، ولكن هل توافقين أنت؟ - نعم. - إذن سيوافق.
Página desconocida