ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة
ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة
Editorial
الجامعة الأسلامية بالمدينة المنورة
Número de edición
السنة السابعه عشرة العدد الخامس والستون
Año de publicación
السادس والستون محرم - جماد الأخرة ١٤٠٥هـ/١٩٨٥م
Géneros
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ فنهاهم أن يكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا يعني فرقا متعددة وأحزابا متعادية، وأعاد لفظة (من) في قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ ليبين أن هذا بدل من الذي قبله، والبدل هو المقصود، وما قبله توطئة له، فهذا تحذير بليغ عن الاختلاف والتفرق.
ودلت هذه الآية على أن الاختلاف والتفرق شيعا لا ينفك عن الشرك لما فيه من عبادة الأهواء.
فالله تعالى جعل دينه واحدا، وأمر رسله أن تدعوا إليه من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما قال تعالى عن أولهم نوح ﵇: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وقال تعالى عن خليله، وأبى الأنبياء بعده: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ أي أن إبراهيم ويعقوب كلاهما وصى بنيه بهذا القول وقال يوسف ﵇: ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ وقال موسى لقومه: ﴿يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ وقال المؤمنون الذين كانوا سحره فهداهم الله: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ وقالت ملكة اليمن بعد أن هداها الله تعالى: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وأخبر تعالى عن أنبياء بني إسرائيل بقوله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ وقال حواري عيسى ﵇: ﴿قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ وقال تعالى عن خاتم رسله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ وفي الصحيحين أن النبي-ﷺ قال: "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد".
وليس تنوع الشرائع مخالفا لذلك أو مانعا منه، بل أصل الدين الذي جاءت به الرسل كلهم واحد، هو الإسلام، وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإن كان لكل نبي شرعة، وهذا مثل ما كان في أول الإسلام لما كانت القبلة إلى بيت المقدس ثم حولت إلى الكعبة، والدين واحد في كلتا الحالتين، وهكذا شرائع الأنبياء، ولهذا إذا ذكر الله الحق جعله واحدا، وإذا ذكر الباطل جعله متعددا، كقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
1 / 32